التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ
٥
-البينة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَمَآ أُمِرُواْ } أي ما أمر الله أهل الكتاب الكفار في التوراة والإنجيل *{ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ } اللام زائدة وأن الناصبة وباء الجر محذوفتان أي إلا بأن يعبدوا وقرأ ابن مسعود إلا أن يعبدوا *{ اللهَ } أو اللام غير زائدة بل تعليلية أي وما أمروا بما في الكتابين إلا أن يعبدوا الله بإخلاص العبادة له كما قال *{ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } ولكنهم بدلوا وحرفوا أي يجردوا الدين عن الشرك وقيل الدين العبادة وعنه صلى الله عليه وسلم نصر الله هذه الأمة بضعفائها ودعوتهم وإخلاصهم وصلاتهم، وقال إن الله جل وعلا يقول الإخلاص سر من سري استودعته قلب من أحببت من عبادي وقال لمعاذ من أخلص العمل لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وكتب بعضهم إلى أخ له أخلص النية في أعمالك يكفيك القليل منها وقال بعض في إخلاص ساعة نجاة الأبد ولكنه عزيز فالعلم نور والعمل زرع وماؤه الاخلاص وهو مراد الله من العمل وقال الحسن ان لله عبادا عقلوا فلما عقلوا عملوا فلما عقلوا أخلصوا فاستدعاهم الإخلاص الى أبواب البر اجمع وقال بعضهم الأمر كله يرجع الى أصلين فعل من الله لك وفعل منك له فارض بما فعل وأخلص فيما تفعل فاذا فعلت بهذين فزت في الدارين والاخلاص تصفيه العمل عن مفسداته كالرياء والسمعة وغيرهما من الكبائر جميعا وقيل ان يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة وقيل أن لا يطلع على العمل شيطان فيفسده ولا ملك فيكتبه وقيل اخراج الخلق عن معاملة الخالق سبحانه وتعالى وقيل هو دوام المراقبة ونسيان الحظوظ كلها وروي انه صلى الله عليه وسلم سئل عنه فقال ان تقول ربي الله ثم تستقيم كما امرت اي لا تعبد هواك ولا تعبد الا ربك وتستقيم في عبادته كما امرت واجمعوا ان النجاة في اجتماع ثلاث الاسلام الخالص عن بدعة وهوى والصدق لله في العمل وطيب المطعم قال بعضهم الاخلاص ان يريد الله بطاعته لا سواه فاما ان يريد الخلاص من العقاب او الفوز بالثواب او اياهما او حياء من الله او حبا له من ملاحظة ثوب او عقاب او تعظيما له وفي الاية دليل على وجوب النية بالطاعة ولا ثواب لها الا بالنية فلا يصح الوضوء الا بالنية لرفع الحدث واداء ما وجب هذا مذهبنا معشر الاباضية ومذهب الشافعية وعن بعضهم الاخلاص ان لا يطلب بعمله الجنة والا النجاة من النار بل يعمل اعترافا بالعبودية لنفسه والربوبية لله سبحانه.
*{ حُنَفَآءَ } مائلين عن الاديان كلها الى دين الاسلام وقيل متبعين ملة ابراهيم عليه السلام حججا وقدمه على الصلاة والزكاة لان فيه صلاة وانفاق مال وقيل مختونين وقيل مؤمنين بجميع الانبياء.
*{ وَيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ } يؤدوا صلا الفرض بشروطها وما تتم به *{ وَيُؤْتُواْ } اهل الزكاة *{ الزَّكَاةَ } واهل الزكاة من ذكر في سورة التوبة وقيل ذكر الزكاة مع ذكر بني اسرائيل يقوي القول ان السورة مدنية لان الزكاة انما فرقت بالمدنية وانما دفع صلى الله عليه وسلم الى مناقضة اهل الكتاب بالمدينة.
*{ وَذَلِكَ } الذي امروا به *{ دِينُ الْقَيِّمَةِ } الملة المستقيمة او الكتب المستقيمة او الجماعة المستقيمة او الامة المستقيمة وزعم بعض ان التاء للمبالغة فاما ان يجعل القيم هو الله فلا لان تاء المبالغة لا تلحق صفات الله لا يقال مكانها علامة ولا سماعة واما ان يجعل صفة للنبي صلى الله عليه وسلم فجائز، وقيل القيامة جمع قائم اي دين القائمين بالله بالتوحيد وهو ضعيف.
وقرأ ابن مسعود الدين القيمة بتعريف الدين ونعته بالقيمة وتاءه للمبالغة لا للتأنيث او هي للتأنيث على تأويل الدين بالملة او الشريعة والاحكام وفي الاية دليل على ان الايمان قول وعمل اذ ذكر الاعتقاد اولا والعمل ثانيا ثم قال وذلك دين القيمة والدين هو الاسلام والاسلام هو الايمان بدليل فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين كذا قيل والظاهر ان الايمان اعتقادا وإنما يشترط القول اعلاما للناس أو اعتقادا وقول واما العمل فشرط للثواب والنجاة ودليل على قوة الايمان وضعفه.