التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
٨
-الزلزلة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً } تمييز *{ يَرَهُ } ترغيبا في القليل من الخير يعطونه السائل فإنه يوشك أن يكبر وتحذيرا من الذنب فإنه يوشك أن يكون كالجبل العظيم ولو صغر عند فاعله ومن عرف جلال الله لم يصغر عند ذنب وتصدق عمر بحبة عنب وكذا عائشة وقالا فيها مثاقيل كثيرة وذلك منهما تعليم للغير وإلا فهما رضي الله عنهما من أكرم الصحابة.
وبينما عمر رضي الله عنه بطريق مكة ليلا إذ رأى ركبا مقبلين من جهة فقال لبعض من معه سلهم من أين أقبلوا فقال أحدهم من الفج العميق نريد البلد العتيق فأخبر عمر بذلك فقال اوقعوا في هذا قل لهم فما أعظم آية في كتاب الله وأحكم آية وأعدل آية وأرجى آية وأخوف آية فقال قائلهم أعظم آية آية الكرسي وأحكمها
{ { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } وأعدلها { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } الخ وأرجاها { { إِن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تكن حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما } وأخوفها { { من يعمل سوء يجز به } فأخبر عمر بذلك فقال أفيكم ابن أم عبد فقالوا نعم وهو الذي كلمك ومعني أعظم آية أعظمها ثوابا لقارءها قيل لما نزلت هذه الآية خطب صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة منها قوله "ألا وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ألا وإن الآخرة أجل صادق يقضي فيها ملك قادر ألا وأن الخير كله بحذافيره في الجنة وأن الشر بحذافيره في النار ألا فاعلموا وأنتم من الله على حذر وإنكم معروضون على أعمالكم" { { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } قال سهل لا يستصغر شيء من الذنوب وإن قل فانهم قالوا اربعة بعد الذنب شر منه الاستصغار والاصرار والاستبشار والافتخار يا معشر المسلمين لقد اعقبتم الاقرار باللسان واليقين بالقلب ان الله واحد ليس كمثله شيء وان لكم ليوما يبعثكم فيه وليسألكم فيه عن مثاقيل الذر من اعمالكم فان كان خيرا اثابكم او شرا عاقبكم ان شاء فحققوه بالفعل وقيل وكيف ذلك قال بخمسة اشياء لا بد لكم منها اكل الحلال ولبس الحلال وحفظ الجوارح واداء الحقوق كما امركم به وكف الاذى عن المسلمين كي لا يذهب باعمالكم قصاصا يوم القيامة ثم استعينوا على ذلك كله بالله سبحانه حتى يتهيأ لكم قبل فكيف يصح للعبد هذه الاحوال قال لا بدل له من عشر بدع خمسا ويتمسك بخمس يدعو وسواس العدو ويتبع العقل فيما يزجره ويدع اهتمامه لأمر الدنيا ويتركها لأهلها ويهتم بالآخرة ويعين أهلها ويدع اتباع الهوى ويتقي الله تعالى على كل حال ويترك المعصية ويشتغل بالطاعة ويدع الجهل والإقامة عليه ويطلب العلم به قيل له وكيف لنا أن نقيمها ونعمل بها قال لا بد من أربعة لا يتعب نفسه فيما كان مصيره إلى التراب ولا يرغب فيه ولا يتخذ إخوانا مصيرهم إلى التراب ولا يرغب فيهم ويعلم أنه عبد وأن مولاه عالم بحاله قادر على فرحه وترحه رحيم به وإن قلت سيئات السعيد مغفورة لأنه لا يموت إلا ثائبا وصغائره محرقة بإجتناب الكبائر وحسنات الشقي محبطة بكفره ولا يجازى السعيد إلا بحسناته ولا الشقي إلا بسيئاته فما معنى الجزاء بالخير والشر قلت ذلك الجزاء على التوزيع فالجزاء بمثقال الذرة من الخير للسعيد والجزاء بمثقال الذرة من الشر للشقي أو حذف القيد أي من يعمل مثقال ذرة خيرا يره إن لم يبطله ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره إن لم يغفر له وأجاز بعضهم أن تكون سيئات السعيد تنقص من ثوابه فذلك جزاؤه بها وحسنات الشقي تنقص من عقابه فذلك جزاؤه بها وعن محمد بن كعب القرظي بالظاء المشالة من يعمل مثقال ذرة من خير من الكفار يجازه به في الدنيا ويخرج منها ولا خير له ومن يعمل مثقال ذرة من شر من المسلمين يجازه به في الدنيا فيخرج منها بلا شر.
وروي أن أبا بكر لما نزلت الآية بكرى وقال أو اسئل عن مثاقيل الذر يوم القيامة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما رأيته في الدنيا مما تكره فمثاقيل ذر الشر ويدخر لك الله مثاقيل ذر الخير إلى الآخرة، وعن ابن عباس ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرا أو شرا في الدنيا إلا أراه الله يوم القيامة أما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله له سيئاته ويجازيه بحسناته وأما الكافر فيرى حسناته وسيئاته فيعذب بسيئاته والآية تفصيل لقوله
{ { ليروا أعمالهم } ولذلك قرنت بالفاء ويدل له قراءة ابن عباس وزيد بن علي خيرا يره وشرا يره بالبناء للمفعول، "وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زكاة الحمير فقال ما أنزل الله علي شيئاً إلا هذه الآية الجامعة الفاذة { فمن يعمل مثقال ذرة }" الخ.
وقال الشنواني عن موضع من صحيح البخاري وقع حذف العاطف في حكاية الآية التي فيها عاطف في أحاديث منها
" قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الخمر ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: { فمن يعمل مثقال ذرة }" بإسقاط الفاء، ومر رجل بالحسن يقرأ السورة ولما بلغ آخرها قال حسبي الله قد انتهت الموعظة، وقرأ هشام يره في الموضعين وغيرهما بقصر الهاء والباقون يمدونها بالواو كما يمدها نافع لعدم اعتباره للساكن المحذوف.
اللّهم يا رب ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبركة السورة أخز النصارى وأهنهم واكسر شوكتهم وغلب المسلمين والموحدين عليهم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم عدد ما ذكرك وذكره الذاكرون.