التفاسير

< >
عرض

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ
١٧
-يونس

روح المعاني

وقوله سبحانه: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِـئَايَـٰتِهِ } استفهام إنكاري معناه النفي أي لا أحد أظلم من ذلك، ونفى الأظلمية كما هو المشهور كناية عن نفس المساواة فالمراد أنه أظلم من كل ظالم وقد مر تحقيق ذلك. والآية مرتبطة بما قبلها على أن المقصود منها تفاديه صلى الله عليه وسلم مما لوحوا به من نسبة الافتراء على الله سبحانه إليه عليه الصلاة والسلام وحاشاه وتظليم للمشركين بتكذيبهم للقرآن وكفرهم به، وزيادة { كَذِبًا } مع أن الافتراء لا يكون إلا كذلك للإيذان بأن ما لوحوا به ضمناً وحملوه عليه الصلاة والسلام عليه صريحاً مع كونه افتراء على الله سبحانه كذب في نفسه فرب افتراء يكون كذبه في الإسناد فقط كما إذا أسندت ذنب زيد إلى عمرو وهذا للمبالغة منه صلى الله عليه وسلم في التفادي مما ذكر، والفاء لترتيب الكلام على ما سبق من بيان كون القرآن بمشيئته تعالى وأمره أي وإذا كان الأمر كذلك فمن افترى عليه سبحانه بأن يخلق كلاماً فيقول: هذا من عند الله تعالى أو يبدل بعض آياته ببعض كما تجوزون ذلك في شأني، وكذلك من كذب بآياته جل شأنه كما تفعلونه أنتم أظلم من كل ظالم، وقيل: المقصود من الآية تظليم المشركين بافترائهم على الله تعالى في قولهم: إنه تعالى عما يقولون ذو شريك وذو ولد وتكذيبهم بآياته سبحانه، وهي مرتبطة أما بما قلبها أيضاً على معنى أني لم أفتر على الله تعالى ولم أكذب عليه وقد قام الدليل على ذلك وأنتم قد فعلتم ذلك حيث زعمتم أن لله تعالى شريكاً وان له / ولداً وكذبتم نبيه صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عنده سبحانه وأما بقوله تعالى: { { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ } [يونس: 13] الخ على أن يكون قوله تعالى: { { ثُمَّ جَعَلْنَـٰكُمْ خَلَـٰئِفَ } [يونس:14] وقوله سبحانه: { { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا بَيّنَاتٍ } [يونس: 15] إلى هنا إعلاماً بأن المشركين الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنوا بسنن من قبلهم في تكذيب آيات الله تعالى والرسل عليهم الصلاة والسلام ويكون هذا عوداً إلى الأول بعد الفراغ من قصة المشركين، وقيل: وجه تعلقها بمت تقدم أنهم إنما سألوه صلى الله عليه وسلم تبديل القرآن لما فيه من ذم آلهتهم الذين افتروا في جعلها آلهة، وقيل: إن الآية توطئة لما بعدها ولا يخفى أن الأول هو الأنسب بالمقام وأوفق بالفاء وأبعد عن التكلف وأقرب انسياقاً إلى الذهن السليم

{ أَنَّهُ } أي الشأن { لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي لا ينجون من محذور ولا يفوزون بمطلوب، والمراد جنس المجرمين فيندرج فيه المفتري والمكذب اندراجاً أولياً، ولا يخفى ما في اختيار ضمير الشأن من الاعتناء بشأن ما يذكر بعده من أول الأمر.