التفاسير

< >
عرض

فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ
٣٢
-يونس

روح المعاني

{ فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ } فذلكة لما تقرر والإشارة إلى المتصف بالصفات السابقة حسبما اعترفوا به، وهي مبتدأ والاسم الجليل صفة له و { رَبُّكُـمْ } خبر و { ٱلْحَقّ } خبر بعد خبر أو صفة أو خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون الاسم / الجليل هو الخبر و { رَبُّكُـمْ } بدل منه أو بيان له و { ٱلْحَقّ } صفة الرب أي مالككم ومتولي أموركم الثابت، ربوبيته والمتحقق ألوهيته تحققاً لا ريب فيه { فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } أي لا يوجد غير الحق شيء يتبع إلا الضلال فمن تخطى الحق وهو عبادة الله تعالى وحده لا بد وإن يقع في الضلال وهو عبادة غيره سبحانه على الانفراد أو الاشتراك لأن عبادته جل شأنه مع الاشتراك لا يعتد بها ـ فما ـ اسم استفهام و ـ ذا ـ موصول، ويجوز أن يكون الكل اسماً واحداً قد غلب فيه الاستفهام على اسم الإشارة، وهو مبتدأ خبره { بَعْدَ ٱلْحَقّ } على ما في «النهر» والاستفهام إنكاري بمعنى إنكار الوقوع ونفيه، و { بَعْدَ } بمعنى غير مجاز والحق ما علمت، وهو غير الأول ولذا أظهر، وإطلاق ـ الحق ـ على عبادته سبحانه وكذا إطلاق ـ الضلال ـ على عبادة غيره تعالى لما أن المدار في العبادة الاعتقاد، وجوز أن يكون ـ الحق ـ عبارة عن الأول والإظهار لزيادة التقرير ومراعاة كمال المقابلة بينه وبين الضلال والمراد به هو الأصنام، والمعنى فماذا بعد الرب الحق الثابت ربوبيته إلا الضلال أي الباطل الضائع المضمحل وإنما سمي بالمصدر مبالغة كأنه نفس الضلال والضياع، وقيل: المراد بالحق والضلال ما يعم التوحيد وعبادة غيره سبحانه وغير ذلك ويدخل ما يقتضيه المقام هنا دخولاً أولياً، ويؤيده ما أخرجه ابن أبـي حاتم عن أشهب قال: سئل مالك عن شهادة اللعاب بالشطرنج والنرد فقال أما من أدمن فما أرى شهادتهم طائلة يقول الله تعالى: { فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ } فهذا كله من الضلال.

{ فأَنَّى تُصْرَفُونَ } أي فكيف تصرفون عن الحق إلى الضلال والاستفهام إنكاري بمعنى إنكار الواقع واستبعاده والتعجب منه، وفيه من المبالغة ما ليس في توجيه الإنكار إلى نفس الفعل فإنه لا بد لكل موجود من أن يكون وجوده على حال من الأحوال فإذا انتفى جميع أحوال وجوده فقد انتفى وجوده على الطريق البرهاني والفاء لترتيب الإنكار والتعجب على ما قبله، ولعل ذلك الإنكار والتعجب متوجهان في الحقيقة إلى منشأ الصرف وإلا فنفس الصرف منه تعالى على ما هو الحق فلا معنى لإنكاره والتعجب منه مع كونه فعله جل شأنه، وإنما لم يسند الفعل إلى الفاعل لعدم تعلق غرض به. وذهب المعتزلة أن فاعل الصرف نفسه المشركون فهم الذين صرفوا أنفسهم وعدلوا بها عن الحق إلى الضلال بناء على أن العباد هم الخالقون لأفعالهم، وأمر الإنكار والتعجب عليه ظاهر، وإنما لم يسند الفعل إلى ضميرهم على جهة الفاعلية إشارة إلى أنه بلغ من الشناعة إلى حيث أنه لا ينبغي أن يصرح بوقوعه منهم فتدبر.