التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
٨
-العاديات

روح المعاني

{ وَإِنَّهُ لِحُبّ ٱلْخَيْرِ } أي المال / وورد بهذا المعنى في القرآن كثيراً حتى زعم عكرمة أن الخير حيث وقع في القرآن هو المال وخصه بعضهم بالمال الكثير وفسر به في قوله تعالى: { إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ } [البقرة: 180] وإطلاق كونه خيراً باعتبار ما يراه الناس وإلا فمنه ما هو شر يوم القيامة واللام للتعليل أي أنه لأجل حب المال { لَشَدِيدٌ } أي لبخيل كما قيل وكما يقال للبخيل شديد يقال له متشدد كما في قول طرفة:

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد

وشديد فيه يجوز أن يكون بمعنى مفعول كأن البخيل شد عن الإفضال ويجوز أن يكون بمعنى فاعل كأنه شد صرته فلا يخرج منها شيئاً وجوز غير واحد أن يراد بالشديد القوي ولعله الأظهر وكأن اللام عليه بمعنى في أي وإنه لقوي مبالغ في حب المال والمراد قوة حبه له وقال الزمخشري ((المعنى وإنه لحب المال وإيثار الدنيا وطلبها قوي مطيق وهو لحب عبادة الله تعالى وشكر نعمته سبحانه ضعيف متقاعس تقول هو شديد لهذا الأمر وقوي له إذا كان مطيقاً له ضابطاً)) وجعل النيسابوري اللام على هذا التعليل وليس بظاهر فتأمل.

وقال الفراء يجوز أن يكون المعنى وإنه لحب الخير لشديد الحب يعني أنه يحب المال ويحب كونه محباً له إلا أنه اكتفى بالحب الأول عن الثاني كما قال تعالى: { ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } [إبراهيم: 18] أي في يوم عاصف الريح فاكتفى بالأولى عن الثانية وقال قطرب أي إنه شديد لحب الخير كقولك إنه لزيد ضروب في إنه ضروب لزيد وظاهر لتمثيل أنه اعتبر حب الخير مفعولاً به لشديد وأن (شديد) اسم فاعل جيء به على فعيل للمبالغة وأن اللام في (لحب) للتقوية وفيه ما فيه وقيل يجوز أن يعتبر أن شديداً صفة مشهبة كانت مضافة إلى مرفوعها وهو حب المضاف إلى الخير إضافة المصدر إلى مفعوله ثم حول الإسناد وانتصب المرفوع على التشبيه بالمفعول به ثم قدم وجر باللام، وفيه مع قطع النظر عن التكلف أن تقدم معمول الصفة عليها لا يجوز وكونه مجروراً في مثل ذلك لا يجدي نفعاً إذ ليس هو فيه نحو زيد بك فرح كما لا يخفى ويفهم من كلام الزمخشري في «الكشاف» جواز أن يراد به ما هو عنده تعالى من الطاعات على أن المعنى إنه لحب الخيرات غير هش منبسط ولكنه شديد منقبض.