التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ
٢
-التكاثر

روح المعاني

حتى إذا استوعبتم عدد الأحياء / صرتم إلى المقابر وانتقلتم إلى ذكر من فيها فتكاثرتم بالأموات فالغاية داخلة في المغيا وقد تقدم من سبب النزول ما يوضح ذلك. وعن الكلبـي ومقاتل أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عدداً فكثرتهم بنو عبد مناف فقالت بنو سهم إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالأحياء والأموات فكثرتهم بنو سهم وزيارة المقابر على ما تقدم على ظاهرها وأما على هذا فقد عبر بها عن بلوغهم ذكر الموتى كناية أو مجازاً واستحسن جعله تمثيلاً وفي «الكشاف» عبر بذلك عما ذكر تهكماً بهم ووجهه بعض بأنه كأنه قيل أنتم في فعلكم هذا كمن يزور القبور من غير غرض صحيح وبعض آخر بأن زيارة القبور للاتعاظ وتذكر الموت وهم عكسوا فجعلوها سبباً للغفلة وهذا أولى والمعنى ألهاكم ذلك وهو لا يعنيكم ولايجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم عما يعنيكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعنى من كل مهم وحذف الملهى عنه للتعظيم المأخوذ من الإبهام بالحذف والمبالغة في الذم حيث أشار إلى أن ما يلهي مذموم فضلاً عن الملهي عن أمر الدين وقيل المراد: ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاشتياق إليها والتهالك عليها إلى أتاكم الموت لا هم لكم غيرها عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم والعمل لآخرتكم وصدره قد أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس وهو ابن أبـي حاتم وابن أبـي شيبة عن الحسن وزيارة المقابر عليه عبارة عن الموت كما قال الشاعر:

إني رأيت الضَّمد شيئاً نُكراً لن يُخْلِصَ العام خليل عَشْرَا
ذاق الضِّماد أو يزور القبرا

وقال جرير:

زار القبور أبو مالك فأصبح ألأم زوارها

وفي ذلك إشارة إلى تحقيق البعث. يحكى أن أعرابياً سمع ذلك فقال بعث القوم للقيامة ورب الكعبة فإن الزائر منصرف لا مقيم وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال لا بد لمن زار أن يرجع إلى جنة أو نار وفيه أيضاً إشارة إلى قصر زمن اللبث في القبور. والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع أو لتغليب من مات أولاً أو لجعل موت آبائهم بمنزلة موتهم. ومما يقضي منه العجب قول أبـي مسلم إن الله عز وجل يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييراً للكفار وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور وقيل هذا تأنيب على الإكثار من زيارة القبور تكثراً بمن سلف ومباهاة وتفاخراً به لا اتعاظاً وتذكراً للآخرة كما هو المشروع ويشير إليه خبر أبـي داود «نهيتكم عن زيادة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة» ولا يخفى أن الآية بمعزل عن ذلك نعم لا كلام في ذم زيارة القبور للتفاخر بالمزور أو للتباهي بالزيارة كما يفعل كثير من الجهلة المنتسبين إلى المتصوفة في زياراتهم لقبور المشايخ عليهم الرحمة هذا مع ما لهم فيها من منكرات اعتقدوها طاعات وشنائع اتخذوها شرائع إلى أمور تضيق عنها صدور السطور.

وقرأ ابن عباس وعائشة ومعاوية وأبو عمران الجوني وأبو صالح ومالك بن دينار وأبو الجوزاء وجماعة (آلهاكم) بالمد على الاستفهام وروي عن أبـي بكر الصديق رضي الله عنه وابن عباس أيضاً والشعبـي وأبـي العالية وابن أبـي عبلة والكسائي في رواية (أألهاكم) بهمزتين والاستفهام للتقرير.