التفاسير

< >
عرض

وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً
٢
-النصر

روح المعاني

ولو باعتبار آخر داخل وهو مما لا بأس به إن لم يكن النزول بعد تمام الدخول وقيل المراد جنس نصر الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين وجنس الفتح فيعم ما كان في أمر مكة زادها الله تعالى شرفاً وغيره وأمر الاستقبال عليه ظاهر وأياً ما كان فالمراد بالمجىء الحصول وهو حقيقة فيه على ما يقتضيه ظاهر كلام الراغب وقال القاضي مجاز.

والظاهر أن الخطاب في { رَأَيْتَ } للنبـي عليه الصلاة والسلام والرؤية بصرية أو علمية متعدية لمفعولين و(الناس) العرب و(دين الله) ملة الإسلام التي لا دين له تعالى يضاف إليه غيرها والأفواج جمع فوج وهو على ما قال الراغب الجماعة المارة المسرعة ويراد به مطلق الجماعة قال الحوفي وقياس جمعه أفوج ولكن استثقلت الضمة على الواو فعدل إلى أفواج وفي «البحر» قياس فعل صحيح العين أن يجمع على أفعل لا على أفعال ومعتل العين بالعكس فالقياس فيه أفعال كحوض وأحواض وشذ فيه أفعل كثوب وأثوب. ونصب { أَفْوَاجاً } على الحال من ضمير { يَدْخُلُونَ } وأما جملة { يَدْخُلُونَ }فهي حال من (الناس) على الاحتمال الأول في الرؤية ومفعول ثان على الاحتمال الثاني فيها وكونها حالاً أيضاً بجعل { رَأَيْتَ } بمعنى عرفت كما قال الزمخشري تعقبه أبو حيان بقوله لا نعلم أن رأيت جاءت بمعنى عرفت فيحتاج في ذلك إلى استثبات.

والمراد بدخول الناس في دينه تعالى أفواجاً أي جماعات كثيرة، إسلامهم من غير قتال وقد كان ذلك بين فتح مكة وموته عليه الصلاة والسلام وكانوا قبل الفتح يدخلون فيه واحداً واحداً واثنين اثنين أخرج البخاري عن عمرو بن سلمة قال «لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأحياء تَتَلَّوم بإسلامها فتح مكة فيقولون دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبـي» وعن الحسن قال «لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت الأعراب أما إذ ظفر بأهل مكة وقد أجارهم الله تعالى من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان فدخلوا في دين الله تعالى أفواجاً» وقال أبو عمر بن عبد البر لم يتوف رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل كافر بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين والطائف منهم من قدم ومنهم من قدم وافده وتأول ذلك ابن عطية فقال المراد والله تعالى أعلم العرب عبدة الأوثان فإن نصارى بني تغلب ما أراهم أسلموا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أعطوا الجزية ونص بعضهم على أنهم لم يسلموا إذ ذاك فالمراد بالناس عبدة الأوثان من العرب كأهل مكة والطائف واليمن وهوازن ونحوهم.

وقال عكرمة ومقاتل المراد بالناس أهل اليمن وفد منهم سبعمائة رجل وأسلموا واحتج له بما أخرجه ابن جرير من طريق الحصين بن عيسى عن معمر عن الزهري عن أبـي حازم عن ابـن عباس قال "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال: الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن قيل يا رسول الله وما أهل اليمن قال قوم رقيقة قلوبهم / لينة طاعتهم، الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية" وأخرجه أيضاً من طريق عبد الأعلى عن معمر عن عكرمة مرسلاً وقوله عليه الصلاة والسلام "الإيمان يمان" جاء في حديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبـي هريرة مرفوعاً بلفظ (( "أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً الإيمان يمان والحكمة يمانية" )) فقيل قال صلى الله عليه وسلم ذلك لأن مكة يمانية ومنها بعث صلى الله عليه وسلم وفشا الإيمان وقيل أراد عليه الصلاة والسلام مدح الأنصار لأنهم يمانون وقد تبوؤا الدار والإيمان وقول ابن عباس في الخبر في المدينة يعارض قول من قال إن ذلك إنما قاله صلى الله عليه وسلم بتبوك وكان بينه وبين اليمن مكة والمدينة وهما دارا الإيمان ومظهراه ويحتمل تكرر القول. والظاهر أنه ثناء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان وقبولهم له بلا سيف ويشمل الأنصار من أهل اليمن وغيرهم فكأن الإيمان كان في سنخ قلوبهم فقبلوه كما أنهى إليهم كمن يجد ضالته ومثله في الثناء عليهم قوله عليه الصلاة والسلام(( " أجد نفس ربكم من قبل اليمن" )) وقال عصام الدين يحتمل أن يكون الخطاب في { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ } عاماً لكل مؤمن ثم قال ومما يختلج في القلب أن المناسب بقوله تعالى { يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوٰجاً } أن يحمل قوله سبحانه { وَٱلْفَتْحُ } على فتح باب الدين عليهم انتهى وكلا الأمرين كما ترى.

وقرأ ابن عباس كما أخرج أبو عبيدة وابن المنذر عنه (إذا جاء فتح الله والنصر) وقرأ ابن كثير في رواية (يدخلون) بالبناء للمفعول.