التفاسير

< >
عرض

مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
٦
-الناس

روح المعاني

بيان للذي يوسوس، على أنه ضربان جني وإنسي كما قال تعالى: { شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ } [الأنعام: 112] أو متعلق بيوسوس و(مِن) لابتداء الغاية أي يوسوس في صدورهم من جهة الجن مثل أن يلقي في قلب المرء من جهتهم أنهم ينفعون ويضرون ومن جهة الناس مثل أن يلقي في قلبه من جهة المنجمين والكهان أنهم يعلمون الغيب وجوز فيه الحالية من ضمير { يُوَسْوِسُ } والبدلية من قوله تعالى: { مِن شَرِّ } [الناس: 4] بإعادة الجار وتقدير المضاف والبدلية من { ٱلْوَسْوَاسِ } على أن { من } تبعيضية.

وقال الفراء وجماعة هو بيان للناس بناء على أنه يطلق على الجن أيضاً فيقال كما نقل عن الكلبـي ناس من الجن كما يقال نفر ورجال منهم وفيه أن المعروف عند الناس خلافه مع ما في ذلك من شبه جعل قسم الشيء قسيماً له ومثله لا يناسب بلاغة القرآن وإن سلم صحته وتعقب أيضاً بأنه يلزم عليه القول بأن الشيطان يوسوس في صدور الجن كما يوسوس في صدور الإنس ولم يقم دليل عليه ولا يجوز جعل الآية دليلاً لما لا يخفى.

وأقرب منه على ما قيل أن يراد بالناس الناسي بالياء مثله في قراءة بعضهم { مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ } [البقرة: 199] بالكسر ويجعل سقوط الياء كسقوطها في قوله تعالى: { { يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ } [القمر: 6] ثم يبين بالجنة والناس فإن كان كل فرد من أفراد الفريقين مبتلى بنسيان حق الله تعالى إلا من تداركه شوافع عصمته وتناوله واسع رحمته جعلنا الله ممن نال من عصمته الحظ الأوفى وكال له مولاه من رحمته فأوفى.

ثم إنه قيل أن حروف هذه السورة غير المكرر اثنان وعشرون حرفاً وكذا حروف الفاتحة وذلك بعدد السنين التي أنزل فيها القرآن فليراجع وبعد أن يوجد الأمر كما ذكر لا يخفى أن كون سني النزول اثنتين وعشرين سنة قول لبعضهم والمشهور أنها ثلاث وعشرون اهـ ومثل هذا الرمز ما قيل إن أول حروفه الباء وآخرها السين فكأنه قيل بس أي حسب ففيه إشارة إلى أنه كاف عما سواه ورمز إلى قوله تعالى: { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ } [الأنعام: 38] وقد نظم ذلك بعض الفرس فقال:

/ أول وآخر قرآن زجه با آمد وسين يعني اندرد وجهان رهبر ما قرآن بس

ومثله من الرموز كثير لكن قيل لا ينبغي أن يقال إنه مراد الله عز وجل. نعم قد أرشد عز وجل في هذه السورة إلى الاستعانة به، تعالى شأنه كما أرشد جل وعلا إليها في الفاتحة بل لا يبعد أن يكون مراده تعالى على القول بأن ترتيب السور بوحيه سبحانه من ختم كتابه الكريم بالاستعاذة به تعالى من شر الوسواس الإشارة كما في الفاتحة إلى جلالة شأن التقوى والرمز إلى أنها ملاك الأمر كله وبها يحصل حسن الخاتمة فسبحانه مِنْ مَلِك جليل ما أجل كلمته ولله در التنزيل ما أحسن فاتحته وخاتمته.