التفاسير

< >
عرض

عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ
٩
-الرعد

روح المعاني

.

{ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ } أي الغائب عن الحس { وَٱلشَّهَـٰدَةِ } أي الحاضر له عبر عنهما بهما مبالغة. أخرج ابن أبـي حاتم عن ابن عباس أن الغيب السر والشهادة العلانية، وقيل: الأول المعدوم والثاني الموجود ونقل عن بعضهم أنه قال: إنه سبحانه لا يعلم الغيب على معنى أن لا غيب بالنسبة إليه جل شأنه والمعدومات مشهودة له تعالى بناءً على القول برؤية المعدوم كما برهن عليه الكوراني في "رسالة" ألفها لذلك، ولا يخفى ما في ذلك من مزيد الجسارة على الله تعالى والمصادمة لقوله جل شأنه: { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ } ولا ينبغي لمسلم أن يتفوه بمثل هذه الكلمة التي تقشعر من سماعها أبدان المؤمنين نسأل الله تعالى أن يوفقنا للوقوف عند حدنا ويمن علينا بحسن الأدب معه سبحانه، ورفع { عالم } على أنه خبر مبتدأ محذوف أو خبر بعد خبر. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما { عالم } بالنصب على المدح، وهذا الكلام كالدليل على ما قبله من قوله تعالى: { { ٱللَّهُ يَعْلَمُ } [الرعد:8] الخ.

{ ٱلْكَبِيرُ } العظيم الشأن الذي كل شيء دونه { ٱلْمُتَعَالِ } المستعلي على كل شيء في ذاته وعلمه وسائر صفاته سبحانه، وجوز أن يكون المعنى الكبير الذي يجل عما نعته به الخلق من صفات المخلوقين ويتعالى عنه، فعلى الأول المراد تنزيهه سبحانه في ذاته وصفاته عن مداناة شيء منه؛ وعلى هذا المراد تنزيهه تعالى عما وصفه الكفرة به فهو رد لهم كقوله جل شأنه: { { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات: 159] قال العلامة الطيبـي: إن معنى { ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } بالنسبة إلى مردوفه وهو { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ } هو العظيم الشأن الذي يكبر عن صفات المخلوقين ليضم مع العلم العظمة والقدرة بالنظر إلى ما سبق من قوله تعالى: { { مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَىٰ } [الرعد: 8] إلى آخر ما يفيد التنزيه عما يزعمه النصارى والمشركون، ورفع { ٱلْكَبِيرُ } على أنه خبر بعد خبر، وجوز أن يكون { عَـٰلِمُ } مبتدأ وهو خبره.