التفاسير

< >
عرض

مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ
١٦
-إبراهيم

روح المعاني

{ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ } أي من قدامه وبين يديه كما قال الزجاج والطبري وقطرب وجماعة، وعلى ذلك قوله:

أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا نحنيي عليها الأصابع

ومعنى كونها قدامه أنه مرصد لها واقف على شفيرها ومبعوث إليها، وقيل: المراد من خلف حياته وبعدها، ومن ذلك قوله:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب

وإليه ذهب ابن الأنباري، واستعمال { وَرَاء } في هذا وذاك بناء على أنها من الأضداد عند أبي عبيدة/ والأزهري فهي من المشتركات اللفظية عندهما. وقال جماعة: إنها من المشتركات المعنوية فهي موضوعة لأمر عام صادق على القدام والخلف وهو ما توارى عنك. وقد تفسر بالزمان مجازاً فيقال: الأمر من ورائك على معنى أنه سيأتيك في المستقبل من أوقاتك.

{ وَيُسْقَىٰ } قيل عطف على متعلق { مِّن وَرَائِهِ } المقدر، والأكثر على أنه عطف على مقدر جواباً عن سؤال سائل كأنه قيل: فماذا يكون إذن؟ فقيل: يلقى فيها ما يلقى ويسقى { مِن مَّاء } مخصوص لا كالمياه المعهودة { صَدِيدٍ } قال مجاهد وقتادة والضحاك هو ما يسيل من أجساد أهل النار، وقال محمد بن كعب والربيع: ما يسيل من فروج الزناة والزواني، وعن عكرمة هو الدم والقيح؛ وأعربه الزمخشري عطف بيان لماء. وفي إبهامه أولاً ثم بيانه من التهويل ما لا يخفى، وجواز عطف البيان في النكرات مذهب الكوفيين والفارسي، والبصريون لا يرونه وعلى مذهبهم هو بدل من { مَاء } إن اعتبر جامداً أو نعت إن اعتبر فيه الاشتقاق من الصد أي المنع من الشرب كأن ذلك الماء لمزيد قبحه مانع عن شربه، وفي «البحر» قيل: إنه بمعنى مصدود عنه أي لكراهته يصد عنه، وإلى كونه نعتاً ذهب الحوفي وكذا ابن عطية قال: وذلك كما تقول: هذا خاتم حديد، وإطلاق الماء على ذلك ليس بحقيقة وإنما أطلق عليه باعتبار أنه بدله، وقال بعضهم: هو نعت على إسقاط مفيد التشبيه كما تقول مررت برجل أسد، والتقدير مثل صديد وعلى هذا فإطلاق الماء عليه حقيقة، وبالجملة تخصيص السقي من هذا الماء بالذكر من بين عذابها يدل على أنه من أشد أنواعه.