التفاسير

< >
عرض

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ
٣١
-النحل

روح المعاني

{ جَنَّـٰتُ عَدْنٍ } خبر مبتدأ محذوف كما اختاره الزجاج وابن الأنباري أي هي جنات، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي لهم جنات أو هو المخصوص بالمدح { يَدْخُلُونَهَا } نعت لجنات عند الحوفي بناء على أن { عَدْنٍ } نكرة وكذلك { تَجْري منْ تَحْتَها الأنْهَارُ } وكلاهما حال عند غير واحد بناء على أنها علم. وجوزوا أن يكون { جَنَّـٰتُ } مبتدأ وجملة «يدخلونها» خبره وجملة تجري الخ حال، وقرأ زيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن (جنات) بالنصب على الاشتغال أي يدخلون جنات عدن يدخلونها، قال أبو حيان: وهذه القراءة تقوي كون (جنات) مرفوعاً مبتدأ والجملة بعده خبره، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما { ولنعمة دار المتقين } [النحل: 30] بتاء مضمومة ودار مخفوضة فيكون «نعمة» مبتدأ مضافاً إلى دار وجنات خبره. وقرأ اسمٰعيل بن جعفر عن نافع «يدخلونها» بالياء على الغيبة والفعل مبني للمفعول، ورويت عن أبـي جعفر.

وشيبة { لَّهُمْ فِيهَا } أي في تلك الجنات { مَا يَشَآءونَ } الظرف الأول خبر ـ لما ـ والثاني حال منه، والعامل ما في الأول من معنى الحصول والاستقرار أو متعلق به لذلك أي حاصل لهم فيها ما يشاؤون من أنواع المشتهيات وتقديمه للاحتراز عن توهم تعلقه بالمشيئة أو لما مر غير مرة من أن تأخير ما حقه التقديم يوجب ترقب النفس إليه فيتمكن عند وروده فضل تمكن. وذكر بعضهم أن تقديم { فيها } للحصر وما للعموم بقرينة المقام فيفيد أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة فتأمله. والجملة في موضع الحال نظير ما تقدم، وزعم أن لهم متعلق بتجري أي تجري من تحتها الأنهار لنفعهم { وفيها ما يشاؤون } مبتدأ وخبر في موضع الحال لا يخفى حاله عند ذوي التمييز.

{ كَذٰلِكَ } مثل ذلك الجزاء الأوفى { يَجْزِى ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } أي جنسهم فيشمل كل من يتقي من الشرك والمعاصي وقيل من الشرك ويدخل فيه المتقون المذكورون دخولاً أولياً ويكون فيه بعث لغيرهم على التقوى أو المذكورين فيكون فيه تحسير للكفرة، قيل: وهذه الجملة تؤيد كون قوله سبحانه { { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } [النحل: 30] عدة فإن جعل ذلك جزاء لهم ينظر إلى الوعد به من الله تعالى وإذا كان مقول/ القول لا يكون من كلامه تعالى حتى يكون وعداً منه سبحانه، وقيل: إنها تؤيد كون { جَنَّاتُ } خبر مبتدأ محذوف لا مخصوصاً بالمدح لأنه إذا كان مخصوصاً بالمدح يكون كالصريح في أن { جَنَّاتُ عَدْنٍ } جزاء للمتقين فيكون { كَذَلِكَ } الخ تأكيداً بخلاف ما إذا كان خبر مبتدأ محذوف فإنه لم يعلم صريحاً أن جنات عدن جزاء للمتقين وفيه نظر وكذا في سابقه إلا أن في التعبير بالتأبيد ما يهون الأمر.