التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
٥٤
-النحل

روح المعاني

{ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ } أي رفع ما مسكم من الضر { إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ } أي يتجدد إشراكهم به تعالى بعبادة غيره سبحانه، والخطاب في الآية إن كان عاماً ـ فمن ـ للتبعيض والفريق الكفرة، وإن كان خاصاً بالمشركين كما استظهره في "الكشف" ـ فمن ـ للبيان على سبيل التجريد ليحسن وإلا فليس من مواقعه كما قيل، والمعنى إذا فريق هم أنتم يشركون؛ وجوز على هذا الاحتمال في الخطاب كون ـ من ـ تبعيضية أيضاً لأن من المشركين من يرجع عن شركه إذا شاهد ضراً شديداً كما يدل عليه قوله تعالى: { { فَلَمَّا نَجَّـٰهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } [لقمان:32] على تقدير أن يفسر الاقتصاد بالتوحيد لا بعدم الغلو في الكفر، و { إِذَا } الأولى شرطية والثانية فجائية والجملة بعدها جواب الشرط، واستدل أبو حيان باقترانها بإذا الفجائية على أن إذا الشرطية ليس العامل فيها الجواب لأنه لا يعمل ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها، و { بِرَبّهِمْ } متعلق ـ بيشركون ـ والتقديم لمراعاة رؤوس الآي، والتعرض لوصف الربوبية للإيذان بكمال قبح ما ارتكبوه من الإشراك الذي هو غاية في الكفران. و { ثُمَّ } قال في "إرشاد العقل السليم" ليست لتمادي زمان مساس الضر ووقوع الكشف بعد برهة مديدة بل للدلالة/ على تراخي رتبة ما يترتب عليه من مفاجآت الإشراك فإن ترتبها على ذلك في أبعد غاية من الضلال. وفي "الكشف" متعقباً صاحب "الكشاف" بأنه لم يذكر وجه الكلام في قوله تعالى: { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ... ثُمَّ إِذَا كَشَفَ } وهو على وجهين والله تعالى أعلم. أحدهما أن يكون قوله سبحانه { { وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } [النحل: 53] من تتمة السابق على معنى إنكار إتقاء غير الله تعالى وقد علموا أن كل ما يتقلبون فيه من نعمته فهو سبحانه القادر على سلبها، ثم أنكر عليهم تخصيصهم بالجؤار عند الضر في مقابلة تخصيص غيره بالاتقاء ثم اشراكهم به تعالى كفراناً لتلك النعمة وجيء بثم لتفاوت الإنكارين فإن اتقاء غير المنعم أقرب من الإعراض عنه وهو متقلب في نعمه ثم اللجأ إلى هذا المكفور به وحده عند الحاجة، وأبعد منه الإعراض ولم يجف قدمه من ندى النجاة. والثاني أن يكون جملة مستقلة واردة للتقريع و { ثُمَّ } في الأول لتراخي الزمان إشعاراً بأنهم غمطوا تلك النعم ولم يزالوا عليه إلى وقت الإلجاء، وفيه الإشعار بتراخي الرتبة أيضاً على سبيل الإشارة وفي الثاني لتراخي الرتبة وحده، اهـ وهو كلام نفيس، وللطيبـي كلام طويل في هذا المقام إن أردته فارجع إليه.

وقرأ الزهري { ثم إذا كاشف } وفاعل هنا بمعنى فعل، وفي الآية ما يدل على أن صنيع أكثر العوام اليوم من الجؤار إلى غيره تعالى ممن لا يملك لهم بل ولا لنفسه نفعاً ولا ضراً عند إصابة الضر لهم وإعراضهم عن دعائه تعالى عند ذلك بالكلية سفه عظيم وضلال جديد لكنه أشد من الضلال القديم، ومما تقشعر منه الجلود وتصعر له الخدود الكفرة أصحاب الأخدود فضلاً عن المؤمنين باليوم الموعود ان بعض المتشيخين قال لي وأنا صغير: إياك ثم إياك أن تستغيث بالله تعالى إذا خطْب دَهاكَ فإن الله تعالى لا يعجل في إغاثتك ولا يهمه سوء حالتك وعليك بالاستغاثة بالأولياء السالفين فإنهم يعجلون في تفريج كربك ويهمهم سوء ما حل بك فمج ذلك سمعي وهمي دمعي وسألت الله تعالى أن يعصمني والمسلمين من أمثال هذا الضلال المبين، ولكثير من المتشيخين اليوم كلمات مثل ذلك.