التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً
٣١
-الإسراء

روح المعاني

وجوز أيضاً كونه تمهيداً لقوله سبحانه: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ } واستبعد بأن الظاهر حينئذ فلا.

والإملاق الفقر كما روي عن ابن عباس وأنشد له قول الشاعر:

وإني على الإملاق يا قوم ماجد أعد لأضيافي الشواء المصهبا

وظاهر اللفظ النهي عن جميع أنواع قتل الأولاد ذكوراً كانوا أو إناثاً مخافة الفقر والفاقة لكن روي أن من أهل الجاهلية من كان يئد البنات مخافة العجز عن النفقة عليهن فنهى في الآية عن ذلك فيكون المراد بالأولاد البنات وبالقتل الوأد. والخشية في الأصل خوف يشوبه تعظيم، قال الراغب: وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه. وقرئ بكسر الخاء. والظاهر أن هذا النهي معطوف على ما تقدم من نظيره، وجوز الطبرسي أن يكون عطفه على قوله سبحانه: { { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 23] وحينئذ فيحتمل أن يكون الفعل منصوباً بأن كما في الفعل السابق.

{ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } ضمان لرزقهم وتعليل للنهي المذكور بإبطال موجبه في زعمهم أي نحن نرزقهم لا أنتم فلا تخافوا الفقر بناء على علمكم بعجزهم عن تحصيل رزقهم. وتقديم ضمير الأولاد على ضمير المخاطبين على عكس ما وقع في سورة الأنعام للإشعار بأصالتهم في إفاضة الرزق، وعارض هذه النكتة هناك تقدم ما يستدعي الاعتناء بشأن المخاطبين من الآيات كذا قيل. وجوز المولى شيخ الإسلام كون ذلك «لأن الباعث على القتل هناك الإملاق الناجز ولذلك قيل { { مِّنْ إمْلاَقٍ } [الأنعام: 151] وهٰهنا الإملاق المتوقع ولذلك قيل: { خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ } فكأنه قيل: نرزقهم من غير أن ينقص من رزقكم شيء فيعتريكم ما تخشونه وإياكم أيضاً رزقاً إلى رزقكم».

/ { إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } تعليل آخر ببيان أن المنهي عنه في نفسه منكر عظيم لما فيه من قطع التناسل وقطع النوع. والخطء كالإثم لفظاً ومعنى وفعلهما من باب علم. وقرأ أبو جعفر وابن ذكوان عن عامر { خطأ } بفتح الخاء والطاء من غير مد، وخرج ذلك الزجاج على وجهين، الأول: أن يكون اسم مصدر من أخطأ يخطىء إذا لم يصب أي إن قتلهم كان غير صواب، والثاني: أن يكون لغة في الخطأ بمعنى الإثم مثل: مِثْل ومَثَل وحِذْر وحَذَر فمن استشكل هذه القراءة بأن الخطأ ما لم يتعمد وليس هذا محله فقد نادى على نفسه بقلة الاطلاع. وقرأ ابن كثير (خِطَاء) بكسر الخاء وفتح الطاء والمد وخرج على وجهين أيضاً. الأول: أن يكون لغة في الخطء بمعنى الإثم مثل دبغ ودباغ ولبس ولباس. والثاني: أن يكون مصدر خاطأ يخاطىء خطاء مثل قاتل يقاتل قتالاً. قال أبو علي الفارسي وإن كنا لم نجد خاطأ لكن وجد تخطأ مطاوعه فدلنا عليه وذلك في قولهم: تخطأت النبل أحشاءه، وأنشد محمد بن السوي في وصف كماءة كما في «مجمع البيان»:

وأشعث قد ناولته أحرش الفرى أدرت عليه المدجنات الهواضب
تخطأه القناص حتى وجدته وخرطومه في منقع الماء راسب

والمعنى على هذا إن قتلهم كان عدولاً عن الحق والصواب فقول أبـي حاتم إن هذه القراءة غلط غلط. وقرأ الحسن { خطاء } بفتح الخاء والطاء مع المد وهو اسم مصدر أخطى كالعطاء اسم مصدر أعطى، وقرأ الزهري وأبو رجاء { خطا } بكسر الخاء وفتح الطاء وألف في آخره مبدلة من الهمزة وليس من قصر الممدود لأنه ضرورة لا داعي إليه، وفي رواية عن ابن عامر أنه قرأ { خطا } كعصا.