التفاسير

< >
عرض

هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً
٤٤
-الكهف

روح المعاني

{ هُنَالِكَ } أي في ذلك المقام وتلك الحال التي وقع فيها الإهلاك { ٱلْوَلَـٰيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقّ } أي النصرة له تعالى وحده لا يقدر عليها أحد فالجملة تقرير وتأكيد لقوله تعالى: { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ } [الكهف: 43] الخ، أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر سبحانه بما فعل بالكافر أخاه المؤمن فالولاية بمعنى النصرة على الوجهين إلا أنها على الأول مطلقة أو مقيدة بالمضطر ومن وقع به الهلاك وعلى هذا مقيدة بغير المضطر وهم المؤمنون، ويعضد أن المراد نصرتهم قوله تعالى: { هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا } أي عاقبة لأوليائه، ووجه ذلك أن الآية ختمت بحال الأولياء فيناسب أن يكون ابتداؤها كذلك.

وقرأ الأخوان والأعمش وابن وثاب وشيبة وابن غزوان عن طلحة وخلف وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير { ٱلْوَلَـٰيَةُ } بكسر الواو وهي والولاية بالفتح بمعنى واحد عند بعض أهل اللغة كالوكالة والوكالة والوصاية والوصاية، وقال الزمخشري: ((هي بالفتح النصرة والتولي بالكسر السلطان والملك أي هنالك السلطان له عز وجل لا يغلب ولا يمتنع منه ولا يعبد غيره كقوله تعالى: { { فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } [العنكبوت: 65] فتكون الجملة تنبيهاً على أن قوله: { { يٰلَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ } [الكهف: 42] الخ كان عن اضطرار وجزع عما دهاه ولم يكن عن ندم وتوبة)) وحكي عن أبـي عمرو والأصمعي أنهما قالا: إن كسر الواو لحن هنا لأن فعالة إنما تجيء فيما كان صنعة أو معنى متقلداً كالكتابة والإمارة والخلافة وليس هنا تولي أمر إنما هي الولاية بالفتح بمعنى الدين بالكسر ولا يعول على ذلك. واستظهر أبو حيان كون { هُنَالِكَ } إشارة إلى الدار الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله الحق ويناسب قوله تعالى: { هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا } ويكون كقوله تعالى: { { لّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16] والظاهر على جميع ذلك أن الوقف على { { مُنْتَصِراً } [الكهف: 43] وقوله تعالى: { هُنَالِكَ } الخ ابتداء كلام، وحينئذ فالولاية مبتدأ و { لِلَّهِ } الخبر والظرف معمول الاستقرار والجملة مفيدة للحصر لتعريف المسند إليه واقتران الخبر بلام الاختصاص كما قرر في { { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الفاتحة: 2] وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون { هُنَالِكَ } خبر { ٱلْوَلَـٰيَةُ } أو الولاية مرفوعة به و { لِلَّهِ } يتعلق بالظرف أو بالعامل فيه أبو بالولاية، ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف وقع حالاً منها. وقال بعضهم: إن الظرف متعلق بمنتصراً والإشارة إلى الدار الآخرة، والمراد الإخبار بنفي أن ينتصر في الآخرة بعد نفي أن تكون له فئة تنصره في الدنيا. والزجاج جعله متعلقاً بمنتصراً أيضاً إلا أنه قال: وما كان منتصراً في تلك الحالة، و { ٱلْحَقّ } نعت للاسم الجيل.

وقرأ الأخوان وحميد والأعمش وابن أبـي ليلى وابن مناذر واليزيدي وابن عيسى الأصبهاني { ٱلْحق } بالرفع على أنه صفة { ٱلْوَلَـٰيَةُ } وجوز أبو البقاء أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هي أو هو الحق وأن يكون مبتدأ وهو خبره. وقرأ أبـي { هنالك ٱلْولـٰية ٱلحق للَّه } بتقديم { ٱلْحق } ورفعه وهو يرجح كون { ٱلْحق } نعتاً للولاية في القراءة السابقة. وقرأ أبو حيوة وزيد بن علي وعمرو بن عبيد وابن أبـي عبلة وأبو السمال ويعقوب عن عصمة عن أبـي عمرو { ٱلْحق } بالنصب على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة والناصب له عامل مقدر كما في قولك: هذا عبد الله حقاً، ويحتمل أنه نعت مقطوع. وقرأ الحسن والأعمش وحمزة وعاصم وخلف { عقباً } بسكون القاف والتنوين، وعن عاصم { عقبىٰ } بألف التأنيث المقصور على وزن رجعىٰ، والجمهور بضم القاف والتنوين؛ والمعنى في الكل ما تقدم.