التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
١٠٧
-البقرة

روح المعاني

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي قد علمت أيها المخاطب أن الله تعالى له السلطان القاهر، والاستيلاء الباهر، المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكلي ـ إيجاداً وإعداماً، وأمراً ونهياً ـ حسبما تقتضيه مشيئته، لا معارض لأمره، ولا معقب لحكمه، فمن هذا شأنه كيف يخرج عن قدرته شيء من الأشياء؟! فيكون الكلام على هذا كالدليل لما قبله في إفادة البيان، فيكون منزلاً منزلة عطف البيان من متبوعه في إفادة الإيضاح، فلذا ترك العطف وجوّز أن يكون تكريراً للأول وإعادة للاستشهاد على ما ذكر، وإنما لم تعطف { أن } مع ما في حيزها على ما سبق من مثلها رَوْماً لزيادة التأكيد وإشعاراً باستقلال العلم بكل منهما وكفاية في الوقوف على ما هو المقصود، وخص السمٰوات والأرض ـ بالملك ـ لأنهما من أعظم المخلوقات الظاهرة، ولأن كل مخلوق لا يخلو عن أن يكون في إحدى هاتين الجهتين فكان في الاستيلاء عليهما إشارة إلى الاستيلاء على ما اشتملا عليه، وبدأ سبحانه بالتقرير على وصف القدرة لأنه منشئاً لوصف الاستيلاء والسلطان، ولم يقل جل شأنه: إن لله ملك الخ قصداً إلى تقوي الحكم بتكرير الإسناد.

{ وَمَا لَكُم مّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ } عطف على الجملة الواقعة خبراً لـ (أن) داخل معها حيث دخلت، وفيه إشارة إلى تناول الخطاب فيما قبل للأمة أيضاً، و { مِنْ } الثانية صلة فلا تتعلق بشيء، و { مِنْ } الأولى: لابتداء الغاية وهي متعلقة بمحذوف وقع حالاً من مدخول { مِنْ } الثانية: ـ وهو في الأصل صفة له ـ فلما قدم انتصب على الحالية وفي «البحر» أنها متعلقة بما تعلق به { لَكُمْ } وهو في موضع الخبر؛ ويجوز في: (ما) أن تكون تميمية وأن تكون حجازية على رأي من يجيز تقدم خبرها إذا كان ظرفاً أو مجروراً ـ والولي ـ المالك، و ـ النصير ـ المعين، والفرق بينهما أن المالك قد لا يقدر على النصرة أو قد يقدر ولا يفعل، والمعين قد يكون مالكاً وقد لا يكون ـ بل يكون أجنبياً ـ.

والمراد من الآية الاستشهاد على تعلق إرادته تعالى بما ذكر من الإتيان بما هو خير من المنسوخ أو بمثله، فإن مجرد قدرته تعالى على ذلك لا يستدعي حصوله البتة، وإنما الذي يستدعيه كونه تعالى مع ذلك ولياً نصيراً لهم، فمن علم أنه تعالى وليه ونصيره لا ولي ولا نصير له سواه يعلم قطعاً أنه لا يفعل به إلا ما هو خير له فيفوض أمره إليه تعالى، ولا يخطر بباله ريبة في أمر النسخ وغيره أصلاً.