التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً
١٠٨
-طه

روح المعاني

/ وقوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ } أي يوم إذ تنسف الجبال على إضافة يوم إلى وقت النسف من إضافة العام إلى الخاص فلا يلزم أن يكون للزمان ظرف وإن كان لا مانع عنه عند من عرفه بمتجدد يقدر به متجدد آخر. وقيل: هو من إضافة المسمى إلى الاسم كما قيل في شهر رمضان، وهو ظرف لقوله تعالى: { يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ } وقيل: بدل من { { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [طه: 101]، فالعامل فيه هو العامل فيه، وفيه الفصل الكثير وفوات ارتباط { يَتَّبِعُونَ } بما قبله. وعليه فقوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ } [طه: 105] الخ استطراد معترض وما بعده استئناف وضمير { يَتَّبِعُونَ } للناس. والمراد بالداعي داعي الله عز وجل إلى المحشر وهو إسرافيل عليه السلام يضع الصور في فيه ويدعو الناس عند النفخة الثانية قائماً على صخرة بيت المقدس ويقول: أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى العرض إلى الرحمن فيقبلون من كل صوب إلى صوته. وأخرج ابن أبـي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: يحشر الله تعالى الناس يوم القيامة في ظلمة تطوى السماء وتتناثر النجوم ويذهب الشمس والقمر وينادي مناد فيتبع الناس الصوت يؤمونه فذلك قوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ } الخ، وقال علي بن عيسى: «الداعي» هنا الرسول الذي كان يدعوهم إلى الله عز وجل والأول أصح.

{ لاَ عِوَجَ لَهُ } أي للداعي على معنى لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه، وهذا كما يقال: لا عصيان له أي لا يعصي ولا ظلم له أي لا يظلم، وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت كما هو بالفاعل، وقيل: أي لا عوج لدعائه فلا يميل إلى ناس دون ناس بل يسمع جميعهم وحكي ذلك عن أبـي مسلم. وقيل: هو على القلب أي لا عوج لهم عنه بل يأتون مقبلين إليه متبعين لصوته من غير انحراف وحكي ذلك عن الجبائي وليس بشيء، والجملة في موضع الحال من الداعي أو مستأنفة كما قال أبو البقاء، وقيل: ضمير { لَهُ } للمصدر، والجملة في موضع الصفة له أي اتباعاً لا عوج له أي مستقيماً، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون المعنى لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره.

{ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } أي خفيت لمهابته تعالى وشدة هول المطلع، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: سكنت والخشوع مجاز في ذلك، وقيل: لا مجاز والكلام على حذف مضاف أي أصحاب الأصوات وليس بذاك { فَلاَ تَسْمَعُ } خطاب لكل من يصح منه السمع { إِلاَّ هَمْساً } أي صوتاً خفياً خافتاً كما قال أبو عبيدة. وعن مجاهد هو الكلام الخفي، ويؤيده قراءة أبـي { فَلا يِنْطِقُونَ إِلاَّ هَمْساً } وعن ابن عباس هو تحريك الشفاه بغير نطق، واستبعد بأن ذلك مما يرى لا مما يسمع، وفي رواية أخرى عنه أنه خفق الأقدام وروي ذلك عن عكرمة وابن جبير والحسن، واختاره الفراء والزجاج ومنه قول الشاعر:

وهن يمشين بنا هميساً

وذكر أنه يقال للأسد الهموس لخفاء وطئه فالمعنى سكنت أصواتهم وانقطعت كلماتهم فلم يسمع منهم إلا خفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر.