التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً
١١٢
-طه

روح المعاني

والظاهر أن قوله تعالى: { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ } قسيم لقوله سبحانه: { وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ } [طه: 111] إلى آخر ما تقدم ولقوله عز وجل: { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } [طه: 111] على هذا كما صرح به ابن عطية وغيره أي ومن يعمل بعض الصالحات أو بعضاً من الصالحات { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي بما يجب الإيمان به. والجملة في موضع الحال والتقييد بذلك لأن الإيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الحسنات { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً } أي منع ثواب مستحق بموجب الوعد { وَلاَ هَضْماً } ولا منع بعض منه تقول العرب هضمت حقي أي نقصت منه ومنه هضيم الكشحين أي ضامرهما وهضم الطعام تلاشى في المعدة. روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة أن المعنى فلا يخاف أن يظلم فيزاد في سيآته ولا أن يهضم فينقص من حسناته والأول مروي عن ابن زيد، وقيل الكلام على حذف مضاف أي فلا يخاف جزاء ظلم وهضم إذ لم يصدر عنه ظلم، ولا هضم حق أحد حتى يخاف ذلك أو أنه أريد من الظلم والهضم جزاؤهما مجازاً، ولعل المراد على ما قيل نفي الخوف عنه من ذلك من حيث إيمانه وعمله بعض الصالحات ويتضمن ذلك نفي أن يكون العمل الصالح مع الإيمان ظلماً أو هضماً. وقيل: المراد أن من يعمل ذلك وهو مؤمن هذا شأنه لصون الله تعالى إياه عن الظلم أو الهضم ولأنه لا يعتد بالعمل الصالح معه، فلا يرد ما قيل إنه لا يلزم من الإيمان وبعض العمل أن لا يظلم غيره ويهضم حقه ولا يخفى عليك أن القول بحذف المضاف والتجوز في هذه الآية في غاية البعد وما قيل من الاعتراض قوي وما أجيب به كما ترى. ثم إن ظاهر كلام الجوهري أنه لا فرق بين الظلم والهضم، وظاهر الآية قاض بالفرق وكذا قول المتوكل الليثي:

إن الأذلة واللئام لمعشر مولاهم المتهضم المظلوم

وممن صرح به الماوردي حيث قال: الفرق بينهما أن الظلم منع الحق كله والهضم منع بعضه. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد { فلا يَخَفْ } على النهي. قال الطيبـي قراءة الجمهور توافق قوله تعالى: { وَقَدْ خَابَ } [طه: 111] الخ من حيث الإخبار وأبلغ من القراءة الأخرى من حيث الاستمرار والأخرى أبلغ من حيث إنها لا تقبل التردد في الإخبار.