التفاسير

< >
عرض

قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ
٤٦
-طه

روح المعاني

{ قَالَ } استئناف كما مر، ولعل إسناد الفعل إلى ضمير الغيبة كما قيل للإشعار بانتقال الكلام من مساق إلى مساق آخر فإن ما قبله من الأفعال الواردة على صيغة التكلم حكاية لموسى عليه السلام بخلاف ما سيأتي إن شاء الله تعالى: { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } [طه: 68] فإن ما قبله أيضاً وارد بطريق الحكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: فماذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه سبحانه؟ فقيل: قال أي لهما { لاَ تَخَافَا } مما ذكرتما.

وقوله تعالى: { إِنَّنِى مَعَكُمَا } تعليل لموجب النهي ومزيد تسلية لهما، والمراد بمعيته سبحانه كمال الحفظ والنصرة كما يقال: الله تعالى معك على سبيل الدعاء وأكد ذلك بقوله تعالى: { أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } وهو بتقدير المفعول أي ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل فافعل في كل حال ما يليق بها من دفع شر وجلب خير. وقال القفال: يحتمل أن يكون هذا في مقابلة القول السابق ويكونان قد عنيا أننا نخاف أن يفرط علينا بأن لا يسمع منا أو أن يطغى بأن يقتلنا فأجابهم سبحانه بقوله: { إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ } أي كلامكما فأسخره للاستماع { وَأَرَىٰ } أفعاله فلا أتركه يفعل بكما ما تكرهانه فقدر المفعول أيضاً لكنه كما ترى، وقال الزمخشري: جائز أن لا يقدر شيء، وكأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر وإذا كان الحافظ والناصر كذلك تم الحفظ، وهو يدل على أنه لا نظر إلى المفعول وقد نزل الفعل المتعدي منزلة اللازم لأنه أريد تتميم ما يستقل به الحفظ / والنصرة وليس من باب قول المتنبـي:

شجو حساده وغيظ عداه أن يرى مبصر ويسمع واع

على ما زعم الطيبـي، واستدل بالآية على أن السمع والبصر صفتان زائدتان على العلم بناءً على أن قوله تعالى: { إِنَّنِى مَعَكُمَا } دال على العلم ولو دل { أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } عليه أيضاً لزم التكرار وهو خلاف الأصل.