التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ
٧٢
-طه

روح المعاني

{ قَالُواْ } غير مكترثين بوعيده { لَن نُّؤْثِرَكَ } لن نختارك بالإيمان والانقياد { عَلَىٰ مَا جَاءنَا } من الله تعالى على يد موسى عليه السلام { مِنَ ٱلْبَيّنَـٰتِ } من المعجزات الظاهرة التي اشتملت عليها العصا. وإنما جعلوا المجىء إليهم وإن عم لأنهم المنتفعون بذلك والعارفون به على أتم وجه من غير تقليد. وما موصولة وما بعدها صلتها والعائد الضمير المستتر في جاء. وقيل العائد محذوف وضمير { جَاءنَا } لموسى عليه السلام أي على الذي جاءنا به موسى عليه السلام وفيه بعد وإن كان صنيع بعضهم اختياره مع أن في صحة حذف مثل هذا المجرور كلاماً.

{ وَٱلَّذِى فَطَرَنَا } أي أبدعنا وأوجدنا وسائر العلويات والسفليات. وهو عطف على { مَا جَاءنَا } وتأخيره لأن ما في ضمنه آية عقلية نظرية وما شاهدوه آية حسية ظاهرة. وإيراده تعالى بعنوان الفاطرية لهم للإشعار بعلة الحكم فإن إبداعه تعالى لهم وكون فرعون من جملة مبدعاته سبحانه مما يوجب عدم إيثارهم إياه عليه عز وجل. وفيه تكذيب للعين في دعواه الربوبية. وقيل: الواو للقسم وجوابه محذوف لدلالة المذكور عليه أي وحق الذي فطرنا لن نؤثرك الخ. ولا مساغ لكون المذكور جواباً عند من يجوز تقديم / الجواب أيضاً لما أن القسم لإيجاب كما قال أبو حيان: بلن إلا في شاذ من الشعر. وقولهم: هذا جواب لتوبيخ اللعين بقوله: { { ءامَنتُمْ } [طه: 71] الخ.

وقوله تعالى: { فَٱقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ } جواب عن تهديده بقوله: { { لأُقَطّعَنَّ } [طه: 71] الخ أي فاصنع ما أنت بصدد صنعه أو فاحكم بما أنت بصدد الحكم به فالقضاء إما بمعنى الإيجاد الإبداعي كما في قوله تعالى: { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } [فصلت: 12] وإما بمعناه المعروف. وعلى الوجهين ليس المراد من الأمر حقيقته، وما موصولة والعائد محذوف. وجوز أبو البقاء كونها مصدري وهو مبني على ما ذهب إليه بعض النحاة من جواز وصل المصدرية بالجملة الاسمية ومنع ذلك بعضهم.

وقوله تعالى { إِنَّمَا تَقْضِى هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } مع ما بعده تعليل لعدم المبالاة المستفاد مما سبق من الأمر بالقضاء، وما كافة و { هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ } منصوب محلاً على الظرفية لتقضي والقضاء على ما مر ومفعوله محذوف أي إنما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الحياة الدنيا فحسب وما لنا من رغبة في عذبها ولا رهبة من عذابها، وجوز أن تكون ما مصدرية فهي وما في حيزها في تأويل مصدر اسم إن وخبرها { هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ } أي إن قضاءك كائن في هذه الحياة، وجوز أن ينزل الفعل منزلة اللازم فلا حذف. وقرأ ابن حيوة وابن أبـي عبلة { إِنَّمَا تَقْضِى } بالبناء للمفعول { هَـٰذِهِ ٱلْحيوٰة } بالرفع على أنه اتسع في الظرف فجعل مفعولاً به ثم بنى الفعل له نحو صيم يوم الخميس.