التفاسير

< >
عرض

قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ
٨٤
-طه

روح المعاني

متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد كأنه عليه السلام قال: إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة وظني أن مثل ذلك لا ينكر وقد حملني عليه استدامة رضاك أو حصول زيادته وظني أن مثل هذا الحامل يصلح للحمل على مثل ما ذكر ولم يخطر أن هناك مانعاً لينكر عليَّ. ونحو هذا الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع / طلباً لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة التي فيها رضا الرب تعالى فإنهم قالوا: إن ذلك غير مشروع، وقدم عليه السلام الاعتذار عن إنكار أصل الفعل لأنه أهم، وقال بعضهم: إن الاستفهام سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها لأنها في نفسها نقيصة انضم إليها الإغفال وإيهام التعظيم فأجاب عليه السلام عن السبب بأنه استدامة الرضا أو حصول زيادته وعن الإنكار بما محصله أنهم لم يبعدوا عني وظننت أن التقدم اليسير لكونه معتاداً بين الناس لا ينكر ولا يعد نقيصة وعلل تقديم هذا الجواب بما مر. واعترض بأن مساق كلامه بظاهره يدل على أن السؤال عن السبب على حقيقته وأنت خبير بأن حقيقة الاستفهام محال على الله تعالى فلا وجه لبناء الكلام عليه، وأجيب بأن السؤال من علام الغيوم محال إن كان لاستدعاء المعرفة أما إذا كان لتعريف غيره أو لتبكيته أو تنبيهه فليس محالاً، وتعقب بأنه لا يحسن هنا أن يكون السؤال لأحد المذكورات والمتبادر أن يكون للإنكار.

وفي «الانتصاف» ((أن المراد من سؤال موسى عليه السلام عن سبب العجلة وهو سبحانه أعلم أن يعلمه أدب السفر وهو أنه ينبغي تأخر رئيس القوم عنهم ليكون بصره بهم ومهيمناً عليهم وهذا المعنى لا يحصل مع التقدم ألا ترى كيف علم الله تعالى هذا الأدب لوطاً فقال سبحانه { وَٱتَّبِعْ أَدْبَـٰرَهُمْ } [الحجر: 65] فأمره عز وجل أن يكون آخرهم وموسى عليه السلام إنما أغفل هذا الأمر مبادرة إلى رضا الله تعالى ومسارعة إلى الميعاد وذلك شأن الموعود بما يسره يود لو ركب [إليه] أجنحة الطير ولا أسر من مواعدة الله تعالى له عليه الصلاة والسلام)) انتهى. وأنت تعلم أن السؤال عن السبب ما لم يكن المراد منه إنكار المسبب لا يتسنى هذا التعليم.

وقال بعضهم: الذي يلوح بالبال أن يكون المعنى أي شيء أعجلك منفرداً عن قومك، والإنكار بالذات للإنفراد عنهم فهو منصب على القيد كما عرف في أمثاله، وإنكار العجلة ليس إلا لكونها وسيلة فاعتذر موسى عليه السلام عنه بأني أخطأت في الاجتهاد وحسبت أن القدر اليسير من التقدم لا يخل بالمعية ولا يعد انفراداً ولا يقدح بالاستصحاب والحامل عليه طلب استدامة مرضاتك بالمبادرة إلى امتثال أمرك فالجواب هو قوله: { هُمْ أُوْلاء عَلَىٰ أَثَرِى }، وقوله: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىٰ } كالتتميم له اهـ وهو عندي لا يخلو عن حسن.

وقيل: إن السؤال عن السبب والجواب إنما هو قوله: { وَعَجِلْتُ } الخ وما قبله تمهيد له وفيه نظر، وعلى هذا وما قبله لم يكن جواب موسى عليه السلام عن أمرين ليجيء سؤال الترتيب فيجاب بما مر أو بما ذكره الزمخشري من أنه عليه السلام حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله عز وجل فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المترتب على حدود الكلام لكن قال في «البحر» ((إن في هذا الجواب إساءة الأدب مع الأنبياء عليهم السلام)) وذلك شأن الزمخشري معهم صلى الله عليه وسلم عليهم، والمراد من { إِلَيْكَ } إلى مكان وعدك فلا يصلح دليلاً للمجسمة على إثبات مكان له عز وجل. ونداؤه تعالى بعنوان الربوبية لمزيد الضراعة والابتهال رغبة في قبول العذر و { أُوْلاء } اسم إشارة كما هو المشهور مرفوع المحل على الخبرية ـ لهم ـ و { عَلَىٰ أَثَرِي } خبر بعد خبر أو حال كما قال أبو حيان؛ وجوز الطبرسي كون { أُوْلاء } بدل من { هُمْ } و { عَلَىٰ أَثَرِى } هو الخبر، وقال أبو البقاء: { أُوْلاء } اسم موصول و { عَلَىٰ أَثَرِى } صلته وهو مذهب كوفي.

وقرأ الحسن وابن معاذ عن أبيه «أولاي» بياء مكسورة. وابن وثاب وعيسى في رواية { أُوْلِى } بالقصر، وقرأت فرقة «أولاي» بياء مفتوحة. وقرأ عيسى ويعقوب وعبد الوارث عن أبـي عمرو وزيد بن علي / رضي الله تعالى عنهما «على إثرى» بكسر الهمزة وسكون الثاء، وحكى الكسائي «أثرى» بضم الهمزة وسكون الثاء وتروى عن عيسى، وفي «الكشاف» ((إن الأثر بفتحتين أفصح من الإثر بكسر فسكون، وأما الأثر فمسموع في فرند السيف مدون في الأصول يقال: أثر السيف وأثره وهو بمعنى الأثر غريب)).