التفاسير

< >
عرض

أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ
٢٤
-الأنبياء

روح المعاني

وقوله تعالى: { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً } إضراب وانتقال من إظهار بطلان كون ما اتخذوه آلهة [آلهة] حقيقة بإظهار خلوها عن خصائص الإلهية التي من جملتها الإنشار وإقامة البرهان القطعي على استحالة تعدد الإله مطلقاً وتفرده سبحانه بالألوهية إلى [إظهار] بطلان اتخاذهم تلك الآلهة مع عرائها عن تلك الخصائص بالمرة شركاء لله تعالى شأنه وتبكيتهم بإلجائهم إقامة البرهان على دعواهم الباطلة وتحقيق أن جميع الكتب السماوية ناطقة بحقية التوحيد وبطلان الإشراك. وجوز أن يكون هذا انتقالاً لإظهار بطلان الآلهة مطلقاً بعد إظهار بطلان الآلهة الأرضية، والهمزة لإنكار الاتخاذ المذكور واستقباحه واستعظامه؛ و(من) متعلقه باتخذوا، والمعنى بل اتخذوا متجاوزين إياه تعالى مع ظهور شؤونه الجليلة الموجبة لتفرده بالألوهية آلهة مع ظهور أنها عارية عن خواص الألوهية بالكلية.

{ قُلْ } لهم بطريق التبكيت وإلقام الحجر { هَاتُواْ بُرْهَـٰنَكُمْ } على ما تدعونه من جهة العقل الصريح أو النقل الصحيح فإنه لا يصح القول بمثل ذلك من غير دليل عليه، وما في إضافة البرهان إلى ضميرهم من الإشعار بأن لهم برهاناً ضرب من التهكم بهم.

وقوله تعالى: { هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى } إنارة لبرهانه وإشارة إلى أنه مما نطقت به الكتب الإلهية قاطبة وزيادة تهييج لهم على إقامة البرهان لإظهار كمال عجزهم أي هذا الوحي الوارد في شأن التوحيد المتضمن للبرهان القاطع [العقلي] ذكر أمتي وعظمتهم وذكر الأمم السالفة قد أقمته فأقيموا أنتم أيضاً برهانكم، وأعيد لفظ { ذُكِرَ } ولم يكتف بعطف الموصول على الموصول المستدعي للانسحاب لأن كون المشخص ذكر من معه ظاهر وكونه ذكر من قبله باعتبار اتحاده بالحقيقة مع الوحي المتضمن ذلك. وقيل: المراد بالذكر الكتاب أي هذا كتاب أنزل على أمتي وهذا كتاب أنزل على أمم الأنبياء عليهم السلام من الكتب الثلاثة والصحف فراجعوها وانظروا هل في واحد منها غير الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك ففيه تبكيت لهم متضمن لنقيض مدعاهم.

وقرىء بتنوين ذكر الأول والثاني وجعل مابعده منصوب المحل على المفعولية له لأنه مصدر وأعماله هو الأصل نحو { { أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً } [البلد: 14 - 15]. وقرأ يحيـى بن يعمر. وطلحة بالتنوين وكسر ميم { مِنْ } فهي على هذا حرف جر ومع مجرورة بها وهي اسم يدل على الصحبة والاجتماع جعلت هنا ظرفاً كقبل وبعد فجاز إدخال من عليها كما جاز إدخالها عليهما لكن دخولها عليها نادر، ونص أبو حيان أنها حينئذ بمعنى عند. وقيل: من داخلة على موصوفها أي عظة من كتاب معي وعظة من كتاب من قبلي، وأبو حاتم ضعف هذه القراءة لما فيها من دخول من على مع ولم ير له وجهاً وعن طلحة أنه قرأ { هَـٰذَا ذِكْرُ مَّعِىَ وَذِكْرُ * قَبْلِى } بتنوين { ذُكِرَ } وإسقاط { مِنْ } وقرأت فرقة { هَـٰذَا ذِكْرُ مَن } بالإضافة { ذِكْرُ مّنَ قَبْلِى } بالتنوين وكسر الميم.

وقوله تعالى: { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ } إضراب من جهته تعالى غير داخل في الكلام الملقن وانتقال من الأمر بتبكيتهم بمطالعة البرهان إلى بيان أن الاحتجاج عليهم لا ينفع لفقدهم التمييز بين الحق والباطل { فَهُمُ } لأجل ذلك { مُّعْرِضُونَ } مستمرون على الإعراض عن التوحيد واتباع الرسول لا يرعوون عما هم عليه من الغي والضلال وإن كررت عليهم البينات والحجج أو فهم معرضون / عما ألقى عليهم من البراهين العقلية والنقلية.

وقرأ الحسن. وحميد. وابن محيصن { ٱلْحَقّ } بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق، والجملة معترضة بين السبب والمسبب تأكيداً للربط بينهما، وجوز الزمخشري أن يكون المنصوب أيضاً على معنى التأكيد كما تقول هذا عبد الله الحق لا الباطل، والظاهر أنه منصوب على أنه مفعول به ليعلمون والعلم بمعنى المعرفة وقوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ... }