التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ
٥٢
-المؤمنون

روح المعاني

{ وَإِنَّ هَـٰذِهِ } أي الملة والشريعة، وأشير إليها بهذه للإشارة إلى كمال ظهور أمرها في الصحة والسداد وانتظامها بسبب ذلك في سلك الأمور المشاهدة { أُمَّتُكُمْ } أي ملتكم وشريعتكم والخطاب للرسل عليهم السلام على نحو ما مر؛ وقيل عام لهم ولغيرهم وروي ذلك عن مجاهد، والجملة على ما قال الخفاجي عطف على جملة { { إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون: 51] فالواو من المحكي، وقيل هي من الحكاية وقد عطفت قولاً على قول، والتقدير قلنا يا أيها الرسل كلوا الخ وقلنا لهم إن هذه أمتكم ولا يخفى بعده. وقيل: الواو ليست للعطف والجملة بعدها مستأنفة غير معطوفة على ما قبلها وهو كما ترى. وقوله سبحانه: { أُمَّةً وَاحِدَةً } حال مبنية من الخبر والعامل فيها معنى الإشارة أي أشير إليها في حال كونها شريعة متحدة / في الأصول التي لا تتبدل بتبدل الأعصار؛ وقيل: { هَـٰذِهِ } إشارة إلى الأمم الماضية للرسل، والمعنى إن هذه جماعتكم جماعة واحدة متفقة على الإيمان والتوحيد في العبادة.

{ وَأَنَاْ رَبُّكُمْ } أي من غير أن يكون لي شريك في الربوبية، وهذه الجملة عطف على جملة { إِنَّ هَـٰذِهِ } الخ المعطوفة على ما تقدم وهما داخلان في حيز التعليل للعمل الصالح لأن الظاهر أن قوله سبحانه: { { إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون: 51] تعليل لذلك، ولعل المراد بالعمل الصالح ما يشمل العقائد الحقة والأعمال الصحيحة، واقتضاء المجازاة والربوبية لذلك ظاهر وأما اقتضاء اتحاد الشريعة في الأصول التي لا تتبدل لذلك فباعتبار أنه دليل حقية العقائد وحقيتها تقتضي الإتيان بها والإتيان بها يقتضي الإتيان بغيرها من الأعمال الصالحة بل قيل لا يصح الاعتقاد مع ترك العمل، وعلى هذا يكون قوله تعالى: { فَٱتَّقُونِ } كالتصريح بالنتيجة فيكون الكلام نظير قولك: العالم حادث لأنه متغير وكل متغير حادث فالعالم حادث. وفي «إرشاد العقل السليم» أن ضمير الخطاب في قوله تعالى: { رَبُّكُـمْ } وفي قوله سبحانه: { فَٱتَّقُونِ } للرسل والأمم جميعاً على أن الأمر في حق الرسل للتهييج والإلهاب وفي حق الأمة للتحذير والإيجاب، والفاء لترتيب الأمر أو وجوب الامتثال به على ما قبله من اختصاص الربوبية به سبحانه واتحاد الأمة فإن كلاً منهما موجب للاتقاء حتماً، والمعنى فاتقون في شق العصا والمخالفة بالإخلال بموجب ما ذكر.

وقرأ الحرميان وأبو عمرو { وأن } بفتح الهمزة وتشديد النون، وخرج على تقدير حرف الجر أي ولأن هذه الخ، والجار والمجرور متعلق باتقون، قال الخفاجي: والكلام في الفاء الداخلة عليه كالكلام في فاء قوله تعالى: { { فَإيَّـٰيَ فَٱرْهَبُونِ } [النحل: 51] وهي للسببية وللعطف على ما قبله وهو { { ٱعْمَلُواْ } [المؤمنون: 51] والمعنى اتقوني لأن العقول متفقة على ربوبيتي والعقائد الحقة الموجبة للتقوى انتهى، ولا يخلو عن شيء. وجوز أن تكون { أن هذه } الخ على هذه القراءة معطوفاً على { { مَا تَعْمَلُونَ } [المؤمنون: 51] والمعنى أني عليم بما تعملون وبأن هذه أمتكم أمة واحدة الخ فهو داخل في حيز المعلوم. وضعف بأنه لا جزالة في المعنى عليه، وقيل: هو معمول لفعل محذوف أي واعلموا أن هذه أمتكم الخ وهذا المحذوف معطوف على { { ٱعْمَلُواْ } ولا يخفى أن هذا التقدير خلاف الظاهر. وقرأ ابن عامر { وَأن } بفتح الهمزة وتخفيف النون على أنها المخففة من الثقيلة ويعلم توجيه الفتح مما ذكرنا.