التفاسير

< >
عرض

مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ
٦٧
-المؤمنون

روح المعاني

{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } أي بالبيت الحرام. والباء للسببية. وسوغ هذا الإضمار مع أنه لم يجر له ذكر اشتهار استكبارهم وافتخارهم بأنهم خدام البيت وقوامه وهذا ما عليه جمهور المفسرين، وقريب منه كون الضمير للحرم، وقال في «البحر»: الضمير عائد على المصدر الدال عليه { { تَنكِصُونَ } [المؤمنون: 66] وتعقب بأنه لا يفيد كثير معنى فإن ذلك مفهوم من جعل مستكبرين حالاً. واعترض عليه بما فيه بحث. وذكر منذر بن سعيد أن الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحسنه أن في قوله تعالى: { { قَدْ كَانَتْ ءايَـتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } [المؤمنون: 66] دلالة عليه عليه الصلاة والسلام. والباء إما للتعدية على تضمين الاستكبار معنى التكذيب أو جعله مجازاً عنه وإما للسببية لأن استكبارهم ظهر ببعثته صلى الله عليه وسلم. وجوز أن يعود على القرآن المفهوم من الآيات أو عليها باعتبار تأويلها به وأمر الباء كما سمعت آنفاً، وجوز أن تكون متعلقة بقوله تعالى: { سَـٰمِراً } أي تسمرون بذكر القرآن والطعن فيه؛ وذلك أنهم كانوا يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون وكانت عامة سمرهم ذكر القرآن وتسميته سحراً وشعراً، والمعنى على ذلك وإن لم يعلق به { بِهِ } ويجوز على تقدير تعلقه بسامراً عود الضمير على النبـي عليه الصلاة والسلام، وكذا يجوز كون المعنى عليه وإن لم يعلق به، وقيل: هي متعلقة بتهجرون وفيه من البعد ما فيه، ونصب { سامراً } على الحال وهو اسم جمع كالحاج والحاضر والجامل والباقر، وقيل: هو مصدر وقع حالاً على التأويل المشهور فهو / يشمل القليل والكثير باعتبار أصله؛ ولا يخفى أن مجيء المصدر على وزن فاعل نادر ومنه العافية والعاقبة. والسمر في الأصل ظل القمر وسمي بذلك على ما في «المطلع» لسمرته، وفي «البحر» هو ما يقع على الشجر من ضوء القمر، وقال الراغب: هو سواد الليل ثم أطلق على الحديث بالليل. وفسر بعضهم السامر بالليل المظلم، وكونه هنا بهذا المعنى وجعله منصوباً بما بعده على نزع الخافض ليس بشيء.

وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو حيوة وابن محيصن وعكرمة والزعفراني ومحبوب عن أبـي عمرو «سمراً» بضم السين وشد الميم مفتوحة جمع سامر، وابن عباس أيضاً وزيد بن علي وأبو رجاء وأبو نهيك «سماراً» بزيادة ألف بعد الميم وهو جمع سامر أيضاً وهما جمعان مقيسان في مثل ذلك.

{ تَهْجُرُونَ } من الهجر بفتح فسكون بمعنى القطع والترك، والجملة في موضع الحال أي تاركين الحق أو القرآن أو النبـي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس تهجرون البيت ولا تعمرونه بما يليق به من العبادة. وجاء الهجر بمعنى الهذيان كما في «الصحاح» يقال: هجر المريض يهجر هجراً إذا هذى، وجوز أن يكون المعنى عليه أي تهذون في شأن القرآن أو النبـي عليه الصلاة والسلام أو أصحابه رضي الله تعالى عنهم أو ما يعم جميع ذلك. وفي «الدر المصون» أن ما كان بمعنى الهذيان هو الهجر بفتحتين. وجوز أن يكون من الهجر بضم فسكون وهو الكلام القبيح، قال الراغب: ((الهُجْر الكلام [القبيح] المهجور لقبحه وأهجر فلان إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد وهجر المريض إذا أتى بذلك من غير قصد)). وفي «المصباح» هجر المريض في كلامه هذى والهجر بالضم اسم ومصدر بمعنى الفحش من هجر كقتل وفيه لغة أخرى أهجر بالألف وعلى هذه اللغة قراءة ابن عباس وابن محيصن ونافع وحميد { تهجرون } بضم التاء وكسر الجيم وهي تبعد كون { تَهْجُرُونَ } في قراءة الجمهور من الهجر بمعنى القطع.

وقرأ ابن أبـي عاصم بالياء على سبيل الالتفات. وقرأ ابن مسعود وابن عباس أيضاً وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم، وعكرمة وأبو نهيك وابن محيصن أيضاً وأبو حيوة { تهجرون } بضم التاء وفتح الهاء وكسر الجيم وشدها على أنه من مضاعف هجر من الهجر بالفتح أو بالضم فالمعنى تقطعون أو تهذون أو تفحشون كثيراً.