التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً
٢
-الفرقان

روح المعاني

{ ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي له سبحانه خاصة دون غيره لا استقلالاً ولا اشتراكاً السلطان القاهر والاستيلاء الباهر عليهما المستلزم للقدرة التامة والتصرف الكلي فيهما وفيما فيهما إيجاداً وإعداماً وإحياء وإماتة وأمراً ونهياً حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح، ومحل الموصول الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها أو على أنه نعت للموصول الأول أو بيان له أو بدل منه، وما بينهما ليس بأجنبـي لأنه من تمام الصلة ومتعلق بها فلا يضر الفصل به بين التابع والمتبوع كما في «البحر» أو محله الرفع أو النصب على المدح بتقدير هو أو أمدح. واختار الطيبـي أن محله الرفع على الإبدال وعلله بقوله لأن من حق الصلة أن تكون معلومة عند المخاطب وتلك الصلة لم تكن معلومة عند المعاندين فأبدل { ٱلَّذِى لَهُ } الخ بياناً وتفسيراً وهو بعيد من مثله وسبحان من لا يعاب عليه شيء.

{ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } أي لم ينزل أحداً منزلة الولد، وقيل أي لم يكن له ولد كما يزعم الذين يقولون في حق المسيح وعزير والملائكة عليهم السلام ما يقولون فسبحان الله عما يصفون، والجملة معطوفة على ما قبلها من الجملة الظرفية وكذا قوله تعالى: { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } أي ملك السمٰوات والأرض، وأفرد بالذكر مع أن ما ذكر من اختصاص ملكهما به تعالى مستلزم له قطعاً للتصريح ببطلان زعم الثنوية القائلين بتعدد الآلهة والرد في نحورهم وتوسيط نفي اتخاذ الولد بينهما للتنبيه على استقلاله وأصالته / والاحتراز عن توهم كونه تتمة للأول.

{ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء } أي أحدثه إحداثاً جارياً على سنن التقدير والتسوية حسبما اقتضته إرادته المبنية على الحكم البالغة كخلقة الإنسان من مواد مخصوصة وصور وأشكال معينة { فَقَدَّرَهُ } أي هيأه لما أرد به من الخصائص والأفعال اللائقة به { تَقْدِيراً } بديعاً لا يقادر قدره ولا يبلغ كنهه كتهيئة الإنسان للفهم والإدراك والنظر والتدبر في أمور المعاد والمعاش واستنباط الصنائع المتنوعة ومزاولة الأعمال المختلفة إلى غير ذلك فلا تكرار في الآية لما ظهر من أن التقدير الدال عليه الخلق بمعنى التسوية والمعبر عنه بلفظه بمعنى التهيئة وهما غيران والخلق على هذا على حقيقته، ويجوز أن يكون الخلق مجازاً بل منقولاً عرفياً في معنى الإحداث والإيجاد غير ملاحظ فيه التقدير وإن لم يخل عنه ولهذا صح التجوز ويكون التصريح بالتقدير دلالة على أن كل واحد مقصود بالذات فكأنه قيل وأوجد كل شيء فقدره في إيجاده لم يوجد متفاوتاً بل أوجده متناصفاً متناسباً. وقيل التقدير الثاني هو التقدير للبقاء إلى الأجل المسمى فكأنه قيل وأوجد كل شيء على سنن التقدير فأدامه إلى الأجل المسمى والقول الأول مختار الزجاج وهو كما في «الكشف» أظهر والفاء عليه للتعقيب مع الترتيب.

وزعم بعضهم أن في الكلام قلباً وهو على ما فيه لا يدفع لزوم التكرار بدون أحد الأوجه المذكورة كما لا يخفى. وجملة { خُلِقَ } الخ عطف على ما تقدم وفيها رد على الثنوية القائلين بأن خالق الشر غير خالق الخير ولا يضر كونه معلوماً مما تقدم لأنها تفيد فائدة جديدة لما فيها من الزيادة، وقيل: هي رد على من يعتقد اعتقاد المعتزلة في أفعال الحيوانات الاختيارية. وفي «إرشاد العقل السليم» أنها جارية مجرى التعليل لما قبلها من الجمل المنتظمة في سلك الصلة فإن خلقه تعالى لجميع الأشياء على النمط البديع كما يقتضي استقلاله تعالى باتصافه بصفات الألوهية يقتضي انتظام كل ما سواه كائناً ما كان تحت ملكوته القاهر بحيث لا يشذ من ذلك شيء ومن كان كذلك كيف يتوهم كونه ولداً له سبحانه أو شريكاً في ملكه عز وجل، وذكر الطيبـي أن قوله تعالى: { لَهُ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } توطئة وتمهيد لقوله سبحانه: { لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } وأردف بقوله تعالى: { وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء } لما أن كونه سبحانه بديع السمٰوات والأرض وفاطرهما ومالكهما مناف لاتخاذ الولد والشريك قال تعالى: { { بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } [الأنعام: 101] الآية، وقد يقال: إن هذه الجملة تصريح بما علم قبل ليكون التشنيع على المشركين بقوله سبحانه: { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ }