التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً
٣٠
-الفرقان

روح المعاني

{ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ } عطف على قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا } [الفرقان: 21] الخ وما بينهما اعتراض مسوق لاستعظام ما قالوه وبيان ما يحيق بهم من الأهوال والخطوب، والمراد بالرسول نبينا صلى الله عليه وسلم وشرف وعظم وكرم، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة لتحقيق الحق والرد على نحورهم حيث كان ما حكى عنهم قدحاً في رسالته صلى الله عليه وسلم أي قالوا كيت وكيت وقال الرسول إثر ما شاهد منهم غاية العتو ونهاية الطغيان بطريق البث إلى ربه عز وجل والشكوى عليهم { رَبّ إِنَّ قَوْمِى } الذين حكى عنهم ما حكى من الشنائع { ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ } الجليل الشأن المشتمل على ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم { مَهْجُوراً } أي متروكاً بالكلية ولم يؤمنوا به ولم يرفعوا إليه رأساً ولم يتأثروا بوعيده ووعده، فمهجوراً من الهجر بفتح الهاء بمعنى الترك وهو الظاهر، وروي ذلك عن مجاهد والنخعي وغيرهما.

واستدل ابن الفرس بالآية على كراهة هجر المصحف وعدم تعاهده بالقراءة فيه، وكأن ذلك لئلا يندرج من لم يتعاهد القراءة فيه تحت ظاهر / النظم الكريم فإن ظاهره ذم الهجر مطلقاً وإن كان المراد به عدم القبول لا عدم الاشتغال مع القبول ولاما يعمهما فإن كان مثل هذا يكفي في الاستدلال فذاك وإلا فليطلب دليل آخر للكراهة. وأورد بعضهم في ذلك خبراً وهو «من تعلم القرآن وعلق مصحفه لم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقاً به يقول: يا رب عبدك هذا اتخذني مهجوراً اقض بيني وبينه» وقد تعقب هذا الخبر العراقي بأنه روي عن أبـي هدبة وهو كذاب، والحق أنه متى كان ذلك مخلاً باحترام القرآن والاعتناء به كره بل حرم وإلا فلا.

وقيل: مهجوراً من الهجر بالضم على المشهور أي الهذيان وفحش القول والكلام على الحذف والإيصال أي جعلوه مهجوراً فيه إما على زعمهم الباطل نحو ما قالوا: إنه { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا } [الفرقان: 5] وإما بأن هجروا فيه ورفعوا أصواتهم بالهذيان لما قرىء لئلا يسمع كما قالوا: { { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [فصلت: 26] وجوز أن يكون مصدراً من الهجر بالضم كالمعقول بمعنى العقل والمجلود بمعنى الجلادة أي اتخذوه نفس الهجر والهذيان، ومجيء مفعول مصدراً مما أثبته الكوفيون لكن على قلة، وفي هذه الشكوى من التخويف والتحذير ما لا يخفى فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب ولم ينظروا.

وقيل: إن { قَالَ } الخ عطف على { يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ } [الفرقان: 27]، والمراد ويقول الرسول إلا أنه عدل إلى الماضي لتحقق الوقوع مع عدم قصد الاستمرار التجددي المراد بمعونة المقام في بعض وإن كان إخباراً عما في الآخرة. وحال عطفه على { وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ } [الفرقان: 29] الخ على أنه من كلامه تعالى لا يخفى حالة، وقول الرسول ذلك يوم القيامة وهو كالشهادة على أولئك الكفرة وليس بتخويف وإلى ذلك ذهبت فرقة منهم أبو مسلم، والأول أنسب بقوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوّاً مّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ... }.