التفاسير

< >
عرض

وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٥
-الفرقان

روح المعاني

{ وَقَالُواْ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } بعدما جعلوا الحق الذي لا محيد عنه إفكاً مختلقاً بإعانة البشر بينوا على زعمهم الفاسد كيفية الإعانة. وتقدم الكلام في أساطير وهي خبر مبتدأ محذوف أي هذه أو هو أو هي أساطير، وقوله تعالى: { ٱكْتَتَبَهَا } خبر ثان، وقيل: حال بتقدير قد. وتعقب بأن عامل الحال إذا كان معنوياً لا يجوز حذفه كما في «المغني»، وفيه أنه غير مسلم كما في «شرحه»، وجوز أن يكون { أَسَـٰطِيرُ } مبتدأ وجملة { ٱكْتَتَبَهَا } الخبر ومرادهم كتبها لنفسه والإسناد مجازي كما في بنى الأمير المدينة، والمراد أمر بكتابتها أو يقال حقيقة أكتبت أمر بالكتابة فقد شاع افتعل بهذا المعنى كاحتجم وافتصد إذا أمر بالحجامة والفصد، وقيل قالوا ذلك لظنهم أنه يكتب حقيقة أو لمحض الافتراء عليه عليه الصلاة والسلام بناء على علمهم أنه لم يكن يكتب صلى الله عليه وسلم، وقيل: مرادهم جمعها من كتب الشيء جمعه والجمهور على الأول.

وقرأ طلحة { ٱكْتَتَبَهَا } مبنياً للمفعول والأصل اكتتبها له كاتب فحذف اللام وأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كتب ثم حذف الفاعل لعدم تعلق الغرض العلمي بخصوصه فبنى الفعل للمفعول وأسند للضمير فانقلب مرفوعاً مستتراً بعد أن كان منصوباً بارزاً، وهذا مبني على جواز إقامة المفعول الغير الصريح مقام الفاعل مع وجود الصريح وهو هنا ضمير الأساطير وهو الذي ارتضاه الرضي وغيره، وجمهور البصريين على عدم الجواز وتعين المفعول الصريح للإقامة فيقال عندهم: اكتتبته، وعليه قول الفرزدق:

/ ومنا الذي اختير الرجال سماحة وجوداً إذا هب الرياح الزعازع

بنصب الرجال وعلى الأول كان حق التركيب اختيره الرجال بالرفع فإن الأصل اختاره من الرجال مختار وظاهر أنه إذا عمل فيه ما تقدم يصير إلى ما ذكر.

{ فَهِيَ تُمْلِيْ عَلَيْهِ } أي تلقى تلك الأساطير عليه بعد اكتتابها ليحفظها من أفواه من يمليها عليه من ذلك المكتتب لكونه أمياً لا يقدر على أن يتلقاها منه بالقراءة فالإملاء الإلقاء للحفظ بعد الكتابة استعارة لا الإلقاء للكتابة كما هو المعروف حتى يقال: إن الظاهر العكس بأن يقال: أمليت عليه فهو يكتتبها أو المعنى أراد اكتتابها أو طلب كتابتها فأمليت عليه أي عليه نفسه أو على كاتبه فالإملاء حينئذ باق على ظاهره. وقرأ طلحة وعيسى (تتلى) بالتاء بدل الميم { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي دائماً أو قبل انتشار الناس وحين يأتون إلى مساكنهم وعنوا بذلك أنها تملي عليه خفية لئلا يقف الناس على حقيقة الحال، وهذه جراءة عظيمة منهم قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون، وعن الحسن أن { ٱكْتَتَبَهَا } الخ من قول الله عز وجل يكذبهم به، وإنما يستقيم أن لو افتتحت الهمزة في { ٱكْتَتَبَهَا } للاستفهام الذي هو معنى الإنكار، ووجه أن يكون نحو قول حضرمي بن عامر وقد خرج يتحدث في مجلس قوم وهو في حلتين له فقال جزء بن سنان بن مؤلة: والله إن حضرمياً لجذل بموت أخيه إن ورثه:

أفرح أن أرزأ الكرام وأن أورث زوداً شصايصاً نبلا

من أبيات، وحق للحسان على ما في «الكشاف» أن يقف على (الأولين).