التفاسير

< >
عرض

فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ
١٩٩
-الشعراء

روح المعاني

{ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم } فإن الظاهر رجوع ضمير الفاعل إلى بعض الأعجمين وهما من صفات العقلاء، والمراد بيان فرط عنادهم وشدة شكيمتهم في / المكابرة كأنه قيل: ولو نزلناه بهذا النظم الرائق المعجز على من لا يقدر على التكلم بالعربية أو على ما ليس من شأنه التكلم أصلاً من الحيوانات العجم فقرأه عليهم قراءة صحيحة خارقة للعادة { مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء، وقيل: المراد بالأعجمين جمع أعجم أعم من أن يكون عاقلاً أو غيره، ونقل ذلك الطبرسي عن عبد الله بن مطيع، وذكر أنه روي عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية وهو على بعير فأشار إليه وقال: هذا من الأعجمين. والطبري على ما في «البحر» يروي نحو هذا عن ابن مطيع، والمراد أيضاً بيان فرط عنادهم، وقيل: هو جمع أعجم مراداً به ما لا يعقل وضمير الفاعل في { قرأه } للنبـي صلى الله عليه وسلم وضمير { عَلَيْهِمْ } لبعض الأعجمين وكذا ضمير { كَانُواْ } والمعنى لو نزلنا هذا القرآن على بعض البهائم فقرأه محمد صلى الله عليه وسلم على أولئك البهائم ما كانوا أي أولئك البهائم مؤمنين به فكذلك هؤلاء لأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، ولا يخفى ما فيه، وقيل: المراد ولو نزلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين لعدم فهمهم ما فيه، وأخرج ذلك عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وهو بعيد عما يقتضيه مقام بيان تماديهم في المكابرة والعناد واستند بعضهم بالآية عليه في منع أخذ العربية في مفهوم القرآن إذ لا يتصور على تقدير أخذها فيه تنزيله بلغة العجم إذ يستلزم ذلك كون الشيء الواحد عربياً وعجمياً وهو محال.

وأجيب بأن ضمير { { نَزَّلْنَاهُ } [الشعراء: 198] ليس راجعاً إلى القرآن المخصوص المأخوذ في مفهومه العربية بل إلى مطلق القرآن ويراد منه ما يقرأ أعم من أن يكون عربياً أو غيره، وهذا نحو رجوع الضمير للعام في ضمن الخاص في قوله تعالى: { { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } [فاطر: 11] الآية فإن ضمير (عمره) راجع إلى شخص بدون وصفه بمعمر إذ لا يتصور نقص عمر المعمر كما لا يخفى. وقال بعضهم في الجواب: إن الكلام على حذف مضاف، والمراد { وَلَوْ نَزَّلْنَا } معناه بلغة العجم على بعض الأعجمين فتدبر؛ وفي لفظ { بَعْضُ } على كل الأقوال إشارة إلى كون ذلك المفروض تنزيله عليه واحداً من عرض تلك الطائفة كائناً من كان و { بِهِ } متعلق بمؤمنين، ولعل تقديمه عليه للاهتمام وتوافق رؤس الآي. والضمير في قوله تعالى: { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ }.