التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ
٨١
-النمل

روح المعاني

{ وَمَا أَنتَ بِهَٰدِى ٱلْعُمْىِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ } أي وما أنت بصارف العمي عن ضلالتهم هادياً لهم هداية موصلة إلى المطلوب لفقد الشرط العادي للاهتداء وهو البصر، و { عَنْ } متعلقة بالهداية باعتبار تضمنها معنى الصرف كما أشرنا إليه، وجوز أبو البقاء أن تعلق بالعمي ويكون المعنى أن العمى صدر عن ضلالتهم وفيه بعد، وإيراد الجملة الاسمية للمبالغة في نفي الهداية.

وقرأ يحيـى بن الحرث وأبو حيوة - بهاد - بالتنوين { العمى } بالنصب، وقرأ الأعمش وطلحة وابن وثاب وابن يعمر وحمزة - تهدي - مضارع هدى { العمى } بالنصب، وقرأ ابن مسعود - وما أن تهتدي - بزيادة أن بعدما كما في قول امرىء القيس:

حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموا فما أن من حديث ولا صال

و - تهتدي - مضارع اهتدى، و { العمى } بالرفع.

{ إِن تُسْمِعُ } أي ما تسمع إسماعاً يجدي السامع نفعاً. { إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِـئَايَـٰتِنَا } أي [مَن] من شأنهم الإيمان بها وهم الذين ليسوا موتى ولا صماً ولا عمياً. وقال بعض الأجلة: أي إلا من هو في علم الله تعالى كذلك، واعترض بأن صيغة الاستقبال وإن صحت باعتبار تعلق العلم فيما لا يزال إلا أن المناسب صيغة المضي، واختار المعترض أن المعنى إلا الذين يصدقون أن القرآن كلام الله تعالى إذ حينئذ تثبت نبوته صلى الله عليه وسلم فيقبل قوله ويجدي إسماعه نفعاً، وتعقب بأنه ينتقض الحصر بالمصدقين في الاستقبال إن كانت الصيغة للحال وبالمصدقين في الحال إن كانت للاستقبال، وإذا دفع لزوم الانتقاض بجعلها لهما لزم استعمال المشترك في معنييه معاً أو الجمع بين الحقيقة والمجاز، وأجيب بأن المراد الحال ويدخل غيره فيه بدلالة النص من غير تكليف. وقال بعض المحققين: قد يراد بالمضارع الاستقبال الشامل لجميع الأزمنة فإن الاستقبال كما يكون بالنظر لزمان الحكم والتكلم على ما حقق في الأصول يجوز أن يكون بالنظر إلى علم القائل أيضاً فيشمل من يؤمن هنا من آمن حالاً كما يشمل من يؤمن استقبالاً فلا غبار في المعنى الذي اختاره ذلك المعترض من هذه الحيثية، / نعم قيل: إن فيه شبه تحصيل الحاصل لأن التصديق بالقرآن هو استماعه النافع، ولعل من عدل عنه إنما عدل لذلك، ولم يعبأ بالمغايرة بين ذينك الأمرين الظاهرة بعد النظر الصحيح، والحق أن ما ذكر من شبه تحصيل الحال على طرف الثمام لظهور الفرق بين الإسماع المراد في الآية والتصديق بأن القرآن كلام الله تعالى كما لا يخفى.

وجوز أن يراد بالآيات المعجزات التي أظهرها الله تعالى على يده عليه الصلاة والسلام الشاملة للآيات التنزيلية والتكوينية وأن يراد بها الآيات التكوينية فقط، والإيمان بها التصديق بكونها آيات الله تعالى وليست من السحر وإذا أريد بالإسماع النافع على هذا إسماع الآيات التنزيلية ليؤتى بما تضمنته من الاعتقادات والأعمال كأن الكلام أبعد وأبعد من أن يكون فهي شبه تحصيل الحاصل إلا أن ذلك لا يخلو عن شيء، وفي «إرشاد العقل السليم» أن إيراد الإسماع في النفي والإثبات دون الهداية مع قربها بأن يقال: إن تهدي إلا من يؤمن الخ لما أن طريق الهداية هو إسماع الآيات التنزيلية فافهم.

وقوله تعالى: { فَهُم مُّسْلِمُونَ } قيل: تعليل لإيمانهم بها كأنه قيل: فإنهم منقادون للحق في كل وقت. وقيل: مخلصون لله تعالى من قوله تعالى: { { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } [البقرة: 112]، وقيل: هو تعليل لما يدل عليه الكلام من أنهم يسمعون إسماعاً نافعاً لهم، وفي توحيد الضمير تارة وجمعه أخرى رعاية للفظ (من) ومعناها.

واستدل بقوله سبحانه: { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } على أن الميت لا يسمع كلام الناس مطلقاً، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في ذلك في سورة الروم على أتم وجه.