التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
٨٧
-النمل

روح المعاني

{ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ } إما معطوف على { يَوْمَ نَحْشُرُ } [النمل: 83] منصوب بناصبه، أو منصوب بمضمر معطوف على ذلك الناصب، والصور ـ على ما في «التذكرة» - قرن من نور، وذكر البخاري عن مجاهد أنه كالبوق. وأخرج الترمذي "عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء أعرابـي إلى النبـي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور؟ قال: قرن ينفخ فيه" ، والمشهور أن صاحب الصور هو إسرافيل عليه السلام. وذكر القرطبـي أن الأمم مجمعة على ذلك وهو مخلوق اليوم، فقد أخرج الترمذي وحسنه عن أبـي سعيد الخدري عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ؟! فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله: صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام لهم. قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل" وروي أيضاً عن أبـي هريرة مرفوعاً "ما أطرق صاحب الصور مذ وكل به مستعداً بحذاء العرش مخافة أن يؤمر بالصيحة قبل أن يرتد طرفه كأن عينيه كوكبان دريان" . وجاء عن أبـي هريرة من حديث مرفوع "إن عظم دائرة فيه كعرض السماوات والأرض" وهذا مما يؤمن به وتفوض كيفيته إلى علام الغيوب.

وقيل: إن الصور بسكون الواو بمعنى الصور بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة - وعليه أبو عبيدة - والكلام في الوجهين على حقيقته، وقيل: في الكلام استعارة تمثيلية شبه هيئة انبعاث الموتى من القبور إلى المحشر إذا نودوا بالقيام بهيئة قيام جيش نفخ لهم في المزمار المعروف وسيرهم إلى محل عين لهم، والأول قول الأكثرين - وعليه المعول - لأن قوله تعالى: { { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ } [الزمر: 68] ظاهر في أن الصور ليس جمع صورة وإلا لقال سبحانه: فيها بدل فيه، وارتكاب التأويل بجعل الكلام من باب التمثيل ظاهر في إنكار أن يكون هناك صور حقيقة، وهو خلاف ما نطقت به الأحاديث الصحاح، وقد قال أبو الهيثم على ما نقل عنه القرطبـي في «تفسيره»: من أنكر أن يكون الصور قرناً فهو كمن أنكر العرش والصراط والميزان وطلب لها تأويلات، وهذا النفخ قيل: المراد به النفخة الثانية، وإليه ذهب صاحب «الغنيان»، واختاره العلامة أبو السعود وقال: الذي يستدعيه سياق النظم الكريم وسباقه ذلك، وأن المراد بالفزع في قوله تعالى:

{ فَفَزِعَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } ما يعتري الكل عند البعث والنشور من الرعب والتهيب الضروريين الجبليين بمشاهدة الأمور الهائلة الخارقة للعادات في الأنفس والآفاق، ثم قال: وقيل: المراد بالنفخ هي النفخة الأولى، وبالفزع هو الذي يستتبع الموت لغاية شدة الهول كما في قوله تعالى: { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } } [الزمر: 68] فيختص أثرها بمن كان حياً عند وقوعها دون من مات قبل ذلك من الأمم. وقيل: إن المراد بهذه النفخة نفخة الفزع التي تكون قبل نفخة الصعق التي أريدت بقوله تعالى: { { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } [ص: 15] وشنع على كلا القولين بما هو مذكور في «تفسيره». وقال العلامة الطيبـي الحق أن المراد بقوله تعالى: { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَفَزِعَ } هو النفخة الأولى، وقوله تعالى الآتي: { وَكُلٌّ } الخ إشارة إلى النفخة الثانية.

واعلم أنهم اختلفوا في عدد النفخة فقيل: ثلاث: نفخة الصعق المذكورة في قوله تعالى: { { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } [الزمر: 68]، ونفخة البعث المذكورة في قوله تعالى: { { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبّهِمْ يَنسِلُونَ } [يس: 51] ونفخة الفزع المذكورة في الآية المذكورة هٰهنا، وهو اختيار ابن العربي. وقيل: اثنتان، ونفخة الفزع هي نفخة الصعق لأن الأمرين: الفزع بمعنى الخوف والصعق بمعنى الموت لا زمان لها، قال القرطبي: والسنة - كحديث مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو طويل منه مع حذف «ثم ينفخ في الصور فأول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق ثم يصعق الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون» - تدل على أن النفخ مرتين لا ثلاثة وهو الصحيح. ونفخ الفزع هو نفخ الصعق بعينه لاتحاد الاستثناء في آيتيهما.

وتعقب في الرسالة المسماة «بشرح العشر في معشر الحشر» المنسوبة لابن الكمال بأنه لا دلالة في الحديث على عدم النفخة الثالثة، غايته أنه وسائر الأحاديث الواردة على نسقه ساكت عنها، ولا يلزم من ذلك عدمها، وكذا لا دلالة في اتحاد الاستثناء في الآيتين أن يكون المذكور فيهما نفخة واحدة، وهذا ظاهر، ثم قال: والصحيح عندي ما في القول الأول، من أن نفخة الفزع غير نفخة الصعق، فإن حديث «الصحيحين» "لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى عليه السلام أخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أو جزي بصعقة الطور" صريح في أن الصعق يوم القيامة، وأن لا موت فيه فهو فزع بلا موت، فمن قال: هي ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق وهو الموت، ثم نفخة البعث فقد أصاب في التفرقة بين نفخة الفزع ونفخة الصعق، إلا أنه لم يصب في زعمه أن نفخة الفزع قبل نفخة الصعق، كيف وقد دل حديث «الصحيحين» المذكور على عموم حكم نفخة الفزع للأنبياء عليهم السلام الذين ماتوا قبل نفخة الصعق أي الموت، قال القاضي عياض: إن نفخة الفزع بعد النشر حين تنشق السماوات والأرض، فظهر أن النفخات ثلاث بل أربع: نفخة يميت الله تعالى جميع الخلق بها كما جاء في الحديث وعند ذلك ينادي سبحانه: { { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16] وينادي على ذلك قوله تعالى: { { كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص: 88]. ونفخة البعث كما نطق به قوله تعالى: { { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبّهِمْ يَنسِلُونَ } [يس: 51] ونفخة الصعق وهي نفخة الفزع بعينها وقد سمعت آيتيهما، ونفخة للإفاقة كما قال تعالى بعد ذكر نفخة الصعق { { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [الزمر: 68] وقد عرفت ما في زعم أن نفخة الصعق هي نفخة الفزع / بعينها فتدبر انتهى.

وتعقبه بعضهم بأنه يلزم حينئذ على القول بالمغايرة بين نفخة الفزع ونفخة الصعق أن تكون النفخات خمساً ولم نسمع متنفساً يقول بذلك، وأيضاً فيه القول بأن نفخة الصعق بعد نفخة البعث، ويأباه قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من تنشق عنه الأرض فأرفع رأسي فإذا موسى متعلق بقائمة من قوائم العرش فما أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله تعالى" فإن انشقاق الأرض عنه صلى الله عليه وسلم بعد نفخة البعث لا محالة فإذا عقبه رفع رأسه عليه الصلاة والسلام ومفاجأة كون موسى عليه السلام متعلقاً بقائمة من قوائم العرش فأين نفخة الصعق؟ ولا يخفى أن كون النفخات خمساً لم يسمع هو الغالب على الظن ويتوقف قبول ما ذكره ثانياً على صحة ما ذكره من الخبر، ولعل القائل بما تقدم من وراء المنع.

وقيل: الأظهر أن النفخات ثلاث: الأولى نفخة الصعق بمعنى الموت كما هو أحد معنييه المدلول عليها بقوله تعالى: { { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } [الزمر: 68]، والثانية نفخة البعث المدلول عليها بقوله تعالى: { { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [الزمر: 68] وقوله سبحانه: { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبّهِمْ يَنسِلُونَ } [يس: 51] والثالثة نفخة الفزع المدلول عليها بما هنا وهي على ما سمعت عن القاضي عياض بعد النشر حين تنشق السماوات والأرض.

وأصله كما قال الراغب ((انقباض ونفار يعترى الشخص من الشيء المخيف)) والمراد به الرعب الشديد، ولعل الصعق المذكور في حديث «الصحيحين» هو غشي يترتب عليه بلا واسطة وعلى النفخ بواسطته وقد نص في «الأساس» على هذا المعنى له قال ((يقال صعق الرجل إذا غشي عليه من هدة أو صوت شديد يسمعه)) ويدل على أنه بمعنى الغشي قوله عليه الصلاة والسلام: "فأكون أول من يفيق" لأن الإفاقة إنما تكون من الغشي دون الموت ولم يعبر هنا بالصعق مراداً به الغشي المذكور في الحديث لئلا يتوهم إرادة معنى الموت منه لخلوه هنا عن القرينة التي في الحديث واقترانه بما يلائم ذلك.

وقد يختار ما هو المشهور من أن النفخة اثنتان ويجاب عما يشعر بالزيادة فالنفخة الأولى نفخة الصعق بمعنى الموت بحال هائلة فبها يموت من في السماوات والأرض من الأحياء قبيل ذلك إلا من شاء الله تعالى، ويدل عليها آية { { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ } [الزمر: 68] الخ، والنفخة الثانية نفخة البعث المدلول عليها بآية { { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [الزمر: 68] وبينهما في المشهور أربعون سنة، وفي «الصحيحين» عن أبـي هريرة مرفوعاً «أربعون» بدون ذكر التمييز فقيل أربعون يوماً فقال أبو هريرة أبيت فقيل أربعون شهراً فقال أبيت فقيل أربعون سنة فقال أبيت، ونفخة الفزع بمعنى الرعب والخوف هي هذه النفخة بعينها ووجه ذلك أنه ينفخ في الصور للبعث فيبعث الخلق وينشرون فإذا تحققوا يوم القيامة وشاهدوا آثار عظمة الله تعالى فزعوا ورعبوا إلا من شاء الله تعالى وترتب الفزع على النفخ بالفاء للإشارة إلى قلة الزمان الفاصل لسرعة تحققهم ومشاهدتهم ما ذكر، والإضافة في قولنا نفخة البعث وقولنا نفخة الفزع من إضافة السبب إلى المسبب إلا أن سببية النفخ للبعث بلا واسطة وسببيته للفزع بواسطة، وحديث «الصحيحين» "لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة" الخ ليس فيه سوى إثبات الصعق بمعنى الغشي كما يرشد إليه ذكر الإفاقة للناس يوم القيامة ولا تعرض له لنفخ يترتب عليه ذلك، نعم التعبير بالصعق على ما ذكروا في معناه يقتضي أن يكون هناك هدة أو صوت شديد يسمعه من يسمعه فيغشى عليه إلا أنه لا يعين النفخ لجواز أن يكون ذلك من صوت حادث من انشقاق السماوات الكائن / بعد البعث والفزع من يوم القيامة وما شاهدوا من أهواله.

ومنع بعضهم اقتضاءه ذلك لجواز أن يراد به الغشي لحدوث أمر عظيم من أمور يوم القيامة غير النفخ، وقيل: هو من فروع النفخ للبعث وذلك أنه ينفخ فتبعث الخلائق فيتحققون ما يتحققون ويشاهدون ما يشاهدون فيفزعون فيغشى عليهم إلا ما شاء الله تعالى، وحديث «الصحيحين» مما لا يأبـى ذلك واحتياج الإفاقة لنفخة أخرى في حيز المنع؛ وقيل: في بيان اتحاد نفخة البعث ونفخة الفزع أن المراد بالفزع الإجابة والإسراع للقيام لرب العالمين وقد صرحت الآيات بإسراع الناس عند البعث فقال تعالى: { { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبّهِمْ يَنسِلُونَ } [يس: 51] وقال سبحانه: { { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } [المعارج: 43] ولا يخفى بعده واحتياج توجيه الاستثناء بعد عليه إلى تكلف فالأولى أن يوجه الاتحاد بما سبق فتأمل، وإيراد صيغة الماضي مع كون المعطوف أعني { ينفخ } مضارعاً للدلالة على تحقق الوقوع كما في قوله تعالى: { فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ } بعد قوله تعالى: { { يَقْدُمُ قَوْمَهُ } [هود: 98] ووجه تأخير بيان الأحوال الواقعة في ابتداء هذه النفخة عن بيان ما يقع بعد من حشر المكذبين قد تقدم الكلام فيه فتذكر فما في العهد من قدم.

{ إِلاَّ مَن شَاء ٱللَّهُ } استثناء متصل كما هو الظاهر من (من) ومفعول المشيئة محذوف أي إلا من شاء الله تعالى أن لا يفزع، والمراد بذلك على ما قيل: من جاء بالحسنة لقوله تعالى فيهم: { وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءامِنُونَ } [النمل: 89] وتعقب بأن الفزع في تلك الآية غير الفزع المراد من قوله سبحانه: { فَفَزِعَ } الخ وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى، واختلف الذين حملوا النفخ هنا على النفخة الأولى التي تكون للصعق - أي الموت - في تعيينهم فقيل هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وروي ذلك عن مقاتل والسدي. وقال الضحاك: هم الولدان والحور العين وخزنة الجنة وحملة العرش. وحكى بعضهم هذين القولين في المراد بالمستثنى على تقدير أن يراد بالنفخ النفخة الثانية وبالفزع الخوف والرعب وأورد عليهما أن حملة العرش ليسوا من سكان السماوات والأرض لأن السماوات في داخل الكرسي ونسبتها إليه نسبة حلقة في فلاة ونسبة الكرسي إلى العرش كهذه النسبة أيضاً فكيف يكون حملته في السماوات وكذا الولدان والحور وخزنة الجنة لأن هؤلاء كلهم في الجنة والجنان جميعها فوق السماوات ودون العرش على ما أفصح عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "سقف الجنة عرش الرحمن" فما فيها من الولدان والحور والخزنة لا يصح استثناؤهم ممن في السماوات والأرض وأما جبرائيل ومن معه من الملائكة المقربين عليهم السلام فهم من الصافين المسبحين حول العرش وإذا كان العرش فوق السماوات لا يمكن أن يكون الاصطفاف حوله في السماوات، وأجيب بأنه يجوز أن يراد بالسماوات ما يعم العرش والكرسي وغيرهما من الأجرام العلوية فإنه الأليق بالمقام، وقد شاع استعمال من في السماوات والأرض عند إرادة الإحاطة والشمول.

وقيل: لا مانع من حمل السماوات على السماوات السبع والتزام كون الاستثناء على القولين المذكورين منقطعاً ولا يخفى ما فيه، وعد بعضهم ممن استثنى موسى عليه السلام، وأنت تعلم أنه لا يكاد يصح إلا إذا أريد بالفزع الصعق يوم القيامة بعد النفخة الثانية، أما إذا أريد به ما يكون في الدنيا عند النفخة الأولى فلا، على أن / عده عليه السلام ممن لا يصعق يوم القيامة بعد قوله صلى الله عليه وسلم في حديث «الصحيحين» السابق «فلا أدري أفاق قبلي أو جزي بصعقة الطور» يحتاج إلى خبر صحيح وارد بعد ذلك. "وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم الشهداء عند ربهم يرزقون" وصححه القاضي أبو بكر بن العربـي كما قال القرطبـي وبه رد على من زعم أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح، وإلى ذلك ذهب ابن جبير ولفظه «هم الشهداء متقلدو السيوف حول العرش» وكذا ذهب إليه الحليمي وقال: هو مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ثم ضعف غيره من الأقوال. وقد ذكره غير واحد من المفسرين إلا أن بعضهم ذكره في تفسير { { مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [الزمر: 68] في آية الصعق وبعض آخر ذكره في تفسيره في آية الفزع فتدبر.

{ وَكُلٌّ } أي كل واحد من الفازعين المبعوثين عند النفخة { أَتَوْهُ } أي حضروا الموقف بين يدي رب العزة جل جلاله للسؤال والجواب والمناقشة والحساب، وقيل: أي رجعوا إلى أمره تعالى وانقادوا. وضمير الجمع باعتبار معنى { كُلٌّ } وقرأ قتادة (أتاه) فعلاً ماضياً مسنداً لضمير { كُلٌّ } على لفظها. وقرأ أكثر السبعة (آتوه) اسم فاعل { دٰخِرِينَ } أي أذلاء، وقرأ الحسن والأعمش (دخرين) بغير ألف وهو على القراءتين نصب على الحال من ضمير { كُلٌّ }.