التفاسير

< >
عرض

مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ
٨٩
-النمل

روح المعاني

وقوله تعالى: { مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا } بياناً لما أشير إليه بإحاطة علمه تعالى بأفعالهم من ترتيب أجزيتها عليها. وقال العلامة الطيبـي قوله تعالى { إن الله } إلخ استئناف وقع جواباً لقول من يسأل فماذا يكون بعد هذه القوارع فقيل إن الله خبير بعمل العاملين فيجازيهم على أعمالهم وفصل ذلك بقوله سبحانه { من جاء } الخ. والخطاب في { تَفْعَلُونَ } [النمل: 88] لجميع المكلفين وقرأ العربيان وابن كثير { يَفْعَلُونَ } بياء الغيبة، والمراد بالحسنة على ما روي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والحسن / والنخعي وأبـي صالح وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة شهادة أن لا إله إلا الله. وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن أبـي هريرة وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن كعب بن عجرة أن النبـي صلى الله عليه وسلم فسرها بذلك والمراد بهذه الشهادة التوحيد المقبول وقيل المراد بالحسنة ما يتحقق بما ذكر وغيره من الحسنات وهو الظاهر، نظراً إلى أن اللام حقيقة في الجنس. وقال بعضهم: الظاهر الأول، لأن الظاهر حمل المطلق على الكامل وأكمل جنس الحسنة التوحيد ولو أريد العموم لكان الظاهر الإتيان بالنكرة، ويكفي في ترجيح الأول ذهاب أكثر السلف إليه وإذا صح الحديث فيه لا يكاد يعدل عنه. وكان النخعي يحلف على ذلك ولا يستثني، والظاهر أن خيراً للتفضيل وفضل الجزاء على الحسنة كائنة ما كانت. قيل باعتبار الأضعاف أو باعتبار الدوام. وزعم بعضهم أن الكلام بتقدير مضاف أي خير من قدرها وهو كما ترى. وقال بعض الأجلة ثواب المعرفة النظرية والتوحيد الحاصل في الدنيا هي المعرفة الضرورية على أكمل الوجوه في الآخرة والنظر إلى وجهه الكريم جل جلاله وذلك أشرف السعادات. وقيل إن خيراً ليس للتفضيل و(من) لابتداء الغاية أي فله خير من الخيور مبدؤه ومنشؤه منها أي من جهة الحسنة. وروي ذلك عن ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وابن جريج وعكرمة.

{ وَهُمْ } أي الذين جاءوا بالحسنة { مّن فَزَعٍ } أي فزع عظيم هائل لا يقادر قدره { يَوْمَئِذٍ } ظرف منصوب بقوله تعالى: { ءامِنُونَ } وبه أيضاً يتعلق { مّن فَزَعٍ } والأمن يستعمل بالجار وبدونه كما في قوله: { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ } [الأعراف: 99]، وجوز أن يكون الظرف منصوباً بفزع وأن يكون منصوباً بمحذوف وقع صفة له أي من فزع كائن في ذلك الوقت، وقرأ العربيان وابن كثير وإسماعيل بن جعفر، عن نافع (فزع يومئذٍ) بإضافة فزع إلى يوم، وكسر ميم يوم، وقرأ نافع في غير رواية إسماعيل كذلك إلا أنه فتح الميم فتح بناء لإضافة يوم إلى غير متمكن وتنوين إذ للتعويض عن جملة، والأولى على ما في «البحر» أن تكون الجملة المحذوفة المعوض هو عنها ما قرب من الظرف أي يوم إذا جاء بالحسنة، وجوز أن يكون التقدير يوم إذ ينفخ في الصور لا سيما إذا أريد بذلك النفخ النفخة الثانية، واقتصر عليه شيخ الإسلام، وفسر الفزع بالفزع الحاصل من مشاهدة العذاب بعد تمام المحاسبة وظهور الحسنات والسيئات وهو الذي في قوله تعالى: { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 103] وحكي عن الحسن أن ذاك حين يؤمر بالعبد إلى النار، وعن ابن جريج أنه حين يذبح الموت وينادى يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت وهو كذلك في قراءة التنوين وقراءة الإضافة ولا يراد به في القراءة الثانية جميع الأفزاع الحاصلة يومئذٍ، ومدار الإضافة كون ذلك أعظم الأفزاع وأكبرها كأن ما عداه ليس بفزع بالنسبة إليه وقال تبعاً لغيره إن الفزع المدلول عليه بقوله تعالى: { فَفَزِعَ } [النمل: 87] الخ ليس إلا التهيب والرعب الحاصل في ابتداء الإحساس بالشيء الهائل ولا يكاد يخلو منه أحد بحكم الجبلة وإن كان آمناً من لحاق الضرر به. وقال أبو علي: يجوز أن يراد بالفزع في القراءتين فزع واحد وأن يراد به الكثرة لأنه مصدر فإن أريد الكثرة شمل كل فزع يكون في القيامة وإن أريد الواحد فهو الذي أشير إليه بقوله تعالى: { { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 103] وسيأتي إن شاء الله تعالى قريباً تتمة للكلام في الآية.