التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٣٧
-القصص

روح المعاني

{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبّى أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ } يريد عليه السلام بالموصول نفسه، وقرأ ابن كثير { قَالَ } بغير واو لأنه جواب لقولهم: إنه سحر والجواب لا يعطف بواو ولا غيرها، ووجه العطف في قراءة باقي السبعة أن المراد حكاية القولين ليوازن الناظر المحكي له بينهما فيميز صحيحهما من الفاسد { وَمَن تَكُونُ لَهُ عَـٰقِبَةُ ٱلدَّارِ } أي العاقبة المحمودة في الدار وهي الدنيا، وعاقبتها أن يختم للإنسان بها بما يفضي به إلى الجنة بفضل الله تعالى وكرمه؛ ووجه إرادة العاقبة المحمودة من مطلق العاقبة أنها هي التي دعا الله تعالى إليها عباده، وركب فيهم عقولاً ترشدهم إليها ومكنهم منها وأزاح عللهم ووفر دواعيهم وحضهم عليها فكأنها لذلك هي المرادة من جميع العباد والغرض من خلقهم، وهذا ما اختاره ابن المنير موافقاً لما عليه الجماعة، وحكي أن بعضهم قال له: ما يمنعك أن تقول فهم عاقبة الخير من إضافة العاقبة إلى ذويها باللام كما في هذه الآية، وقوله تعالى: { { وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّـٰرُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ } [الرعد: 42]، وقوله سبحانه: { وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف: 128] إذ عاقبة الخير هي التي تكون لهم، وأما عاقبة السوء فعليهم لا لهم فقال له: لقد كان لي في ذلك مقال لولا وروده مثل { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } [الرعد: 25]، ولم يقل وعليهم فاستعمال اللام مكان على دليل على إلغاء الاستدلال باللام على إرادة عاقبة الخير، وقد يقال: إن اللام ظاهرة في النفع ويكفي ذلك في انفهام كون المراد بالعاقبة عاقبة الخير، ويلتزم في نحو الآية التي أوردها ابن المنير كونها من باب التهكم، وهذا نظير ما قالوا: إن البشارة في الخير، و { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [آل عمران: 21] من باب التهكم. وقال الطيبـي انتصاراً للبعض أيضاً: قلت: الآية غير مانعة عن ذلك فإن قرينة اللعنة والسوء مانعة عن إرادة الخير وإنما أتى بلهم ليؤذن بأنهما حقان ثابتان لهم لازمان إياهم، ويعضده التقديم المفيد للاختصاص فتدبر. وقرأ حمزة والكسائي { يكون } بالياء التحتية، لأن المرفوع مجازي التأنيث ومفصول عن رافعه.

{ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أي لا يفوزون بمطلوب ولا ينجون عن محذور، وحاصل كلام موسى عليه السلام ربـي أعلم منكم بحال من أهله سبحانه للفلاح الأعظم حيث جعله نبياً وبعثه بالهدى ووعده حسن العقبـى، ولو كان كما تزعمون كاذباً ساحراً مفترياً لما أهله لذلك لأنه غني حكيم لا يرسل الكاذبين ولا ينبـىء الساحرين / ولا يفلح عنده الظالمون.