التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٧٧
-آل عمران

روح المعاني

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإيمَـٰنِ } أي أخذوا الكفر بدلاً من الإيمان رغبة فيما أخذوا وإعراضاً عما تركوا ولهذا وضع { ٱشْتَرَوُاْ } موضع بدلوا فإن الأول أظهر في الرغبة وأدل على سوء الاختيار، وقوله تعالى: { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } تقدم الكلام فيه، وفيه هنا تعريض ظاهر باقتصار الضرر عليهم كأنه قيل: وإنما يضرون أنفسهم، والمراد من الموصول هنا ما أريد منه هناك والتكرير لتقرير الحكم وتأكيده ببيان علته بتغيير عنوان الموضوع فإن ما ذكر في حيز الصلة لكونه علماً في الخسران الكلي والحرمان الأبدي صريح في لحوق ضرره بأنفسهم وعدم تعديه إلى غيرهم أصلاً، ودال على كمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم فكيف يتأتى منهم ما يتوقف على قوة الحزم ورزانة الرأي ورصانة التدبير من مضارة أولياء الله تعالى الذين تكفل سبحانه لهم بالنصر وهي أعز من جليمة وأمنع من لهاة الليث، وجوز أن يراد بالموصول هنا عام، ويراد به هناك خاص وهو ما عدا ما ذهب إليه الحسن فيه، والجملة مقررة لمضمون ما قبلها تقرير القواعد الكلية لما اندرج تحتها من جزئيات الأحكام، وجوز الزمخشري أن يكون الأول عاماً للكفار وهذا خاصاً بالمنافقين وأفردوا بالذكر لأنهم أشدّ منهم في الضرر والكيد، واعترض بأن إرادة العام هناك مما لا يليق بفخامة شأن التنزيل لما أن صدور المسارعة في الكفر بالمعنى المذكور وكونها مظنة لإيراث الحزن لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يفهم من النهي عنه إنما يتصور ممن علم اتصافه بها وأما من لا يعرف حاله من الكفرة الكائنين في الأماكن البعيدة فإسناد المسارعة المذكورة إليهم واعتبار كونها من مبادىء حزنه عليه الصلاة والسلام مما لا وجه له، ويمكن أن يقال: إن القائل بالعموم في الأول لم يرد بالكفار مقابل المؤمنين حيث كانوا وعلى أي حال وجدوا بل ما يشمل المتخلفين والمرتدين مثلاً ممن يتوقع إضرارهم له صلى الله عليه وسلم وحينئذ لا يرد هذا الاعتراض. وقيل: المراد من الأول المنافقون أو من ارتدوا مما هنا اليهود، والمراد من الإيمان إما الإيمان الحاصل بالفعل كما هو حال المرتدين أو بالقوة القريبة منه الحاصلة بمشاهدة دلائله في التوراة كما هو شأن اليهود مثلاً، وإما الإيمان الاستعدادي الحاصل بمشاهدة الوحي الناطق والدلائل المنصوبة في الآفاق والأنفس كما هو دأب جميع الكفرة ما عدا ذلك وإما القدر المشترك بين الجميع كما هو دأب الجميع فتفطن.

{ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي مؤلم والجملة مبتدأة مبينة لكمال فظاعة عذابهم بذكر غاية إيلامه بعد ذكر نهاية عظمه، أو مقررة للضرر الذي آذنت به الجملة الأولى قيل: لما جرت العادة باغتباط المشتري بما اشتراه وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة وبتألمه عند كونها خاسرة وصف عذابهم بالإيلام مراعاة لذلك، نقله مولانا شيخ الإسلام.