التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ
١٩٥
-آل عمران

روح المعاني

{ فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } الاستجابة الإجابة، ونقل عن الفراء أن الإجابة تطلق على الجواب ولو بالرد، والاستجابة الجواب بحصول المراد لأن زيادة السين تدل عليه إذ هو لطلب الجواب، والمطلوب ما يوافق المراد لا ما يخالفه وتتعدى باللام وهو الشائع، وقد تتعدى بنفسها كما في قوله:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وهذا كما قال الشهاب وغيره: في التعدية إلى الداعي وأما إلى الدعاء فشائع بدون اللام مثل استجاب الله تعالى دعاءه، ولهذا قيل: إن هذا البيت على حذف مضاف أي لم يستجب دعاءه، والفاء للعطف وما بعده معطوف إما على الاستئناف المقدر في قوله سبحانه: { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً } [آل عمران: 191] ولا ضير في اختلافهما صيغة لما أن صيغة المستقبل هناك للدلالة على الاستمرار المناسب لمقام الدعاء، وصيغة الماضي هنا للإيذان بتحقيق الاستجابة وتقررها، ويجوز أن يكون معطوفاً على مقدر ينساق إليه الذهن أي دعوا بهذه الأدعية فاستجاب لهم الخ، وإن قدر ذلك القول المقدر حالا فهو عطف على { يَتَفَكَّرُونَ } [آل عمران: 191] باعتبار مقارنته لما وقع حالاً من فاعله أعني قوله سبحانه: { رَبَّنَا } [آل عمران: 194] الخ، فإن الاستجابة مترتبة على دعواتهم لا على مجرد تفكرهم، وحيث كانت من أوصافهم الجميلة المترتبة على أعمالهم بالآخرة استحقت الانتظام في سلك محاسنهم المعدودة في أثناء مدحهم / وأما على كون الموصول نعتاً لأولي الألباب فلا مساغ لهذا العطف لما عرفت سابقاً. وقد أوضح ذلك مولانا شيخ الإسلام. والمشهور العطف على المنساق إلى الذهن وهو المنساق إليه الذهن، وذكر الرب هنا مضافاً ما لا يخفى من اللطف. وأخرج الترمذي والحاكم وخلق كثير عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله لا أسمع الله تعالى ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله تعالى: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ } إلى آخر الآية، فقالت الأنصار: هي أول ظعينة قدمت علينا. ولعل المراد أنها نزلت تتمة لما قبلها. وأخرج ابن مردويه عنها أنها قالت: آخر آية نزلت هذه الآية: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ }.

{ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } أي بأني، وهكذا قرأ أبـيّ، واختلف في تخريجه فخرجه العلامة شيخ الإسلام على أن الباء للسببية كأنه قيل: فاستجاب لهم بسبب أنه لا يضيع عمل عامل منهم أي سنته السنية مستمرة على ذلك وجعل التكلم في { أَنّى } والخطاب في { مّنكُمْ } من باب الالتفات، والنكتة الخاصة فيه إظهار كمال الاعتناء بشأن الاستجابة وتشريف الداعين بشرف الخطاب والتعرض لبيان السبب لتأكيد الاستجابة، والإشعار بأن مدارها أعمالهم التي قدموها على الدعاء لا مجرد الدعاء.

وقال بعض المحققين: إنها صلة لمحذوف وقع حالاً إما من فاعل استجاب أو من الضمير المجرور في { لَهُمْ } والتقدير مخاطباً لهم بأني، أو مخاطبين بأني الخ، وقيل: إنها متعلقة باستجاب لأن فيها معنى القول ـ وهو مذهب الكوفيين ـ ويؤيد القولين أنه قرىء { إِنّى } بكسر الهمزة وفيها يتعين إرادة القول وموقعه الحال أي قائلاً إني أو مقولاً لهم إني الخ، وتوافق القراءتين خير من تخالفهما، وهذا التوافق ظاهر على ما ذهب إليه البعض وصاحب القيل وإن اختلف فيهما شدة وضعفاً، وأما على ما ذكره العلامة فالظهور لا يكاد يظهر على أنه في نفسه غير ظاهر كما لا يخفى، وقرىء { لاَ أُضِيعُ } بالتشديد، وفي التعرض لوعد العاملين على العموم مع الرمز إلى وعيد المعرضين غاية اللطف بحال هؤلاء الداعين لا سيما وقد عبر هناك عن ترك الإثابة بالإضاعة مع أنه ليس بإضاعة حقيقة إذ الأعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها إضاعتها ولكن عبر بذلك تأكيداً لأمر الإثابة حتى كأنها واجبة عليه تعالى ـ كذا قيل ـ والمشهور أن الإضاعة في الأصل الإهلاك ومثلها التضييع ويقال: ضاع يضيع ضيعة وضياعاً بالفتح إذا هلك، واستعملت هنا بمعنى الإبطال أي لا أبطل عمل عامل كائن منكم.

{ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } بيان لعامل، وتأكيد لعمومه إما على معنى شخص عامل أو على التغليب. وجوّز أن يكون بدلاً من { مّنكُمْ } بدل الشيء من الشيء إذ هما لعين واحدة، وأن يكون حالا من الضمير المستكن فيه وقوله تعالى: { بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ } مبتدأ وخبر، و { مِنْ } إما ابتدائية بتقدير مضاف أي من أصل بعض، أو بدونه لأن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر، وإما اتصالية والاتصال إما بحسب اتحاد الأصل، أو المراد به الاتصال في الاختلاط، أو التعاون، أو الاتحاد في الدين حتى كأن كل واحد من الآخر لما بينهما من أخوة الإسلام، والجملة مستأنفة معترضة مبينة لسبب انتظام النساء في سلك الدخول مع الرجال في الوعد. وجوز أن تكون حالاً، أو صفة.

وقوله تعالى: { فَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ } ضرب تفصيل لما أجمل في العمل وتعداد لبعض أحاسن أفراده مع المدح والتعظيم. / وأصل المهاجرة من الهجرة وهو الترك وأكثر ما تستعمل في المهاجرة من أرض إلى أرض أي ترك الأولى للثانية مطلقاً أو للدين على ما هو الشائع في استعمال الشرع، والمتبادر في الآية هو هذا المعنى وعليه يكون قوله تعالى: { وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } عطف تفسير مع الإشارة إلى أن تلك المهاجرة كانت عن قسر واضطرار لأن المشركين آذوهم وظلموهم حتى اضطروا إلى الخروج، ويحتمل أن يكون المراد هاجروا الشرك وتركوه وحينئذٍ يكون { وَأُخْرِجُواْ } الخ تأسيساً { وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى } أي بسبب طاعتي وعبادتي وديني وذلك سبيل الله تعالى، والمراد من الإيذاء ما هو أعم من أن يكون بالإخراج من الديار، أو غير ذلك مما كان يصيب المؤمنين من قبل المشركين { وَقَٰتَلُواْ } أي الكفار في سبيل الله تعالى { وَقُتِلُواْ } استشهدوا في القتال.

وقرأ حمزة والكسائي بالعكس، ولا إشكال فيها لأن الواو لا توجب ترتيباً، وقدم القتل لفضله بالشهادة هذا إذا كان القتل والمقاتلة من شخص واحد، أما إذا كان المراد قتل بعض وقاتل بعض آخر ولم يضعفوا بقتل إخوانهم فاعتبار الترتيب فيها أيضاً لا يضر، وصحح هذه الإرادة أن المعنى ليس على اتصاف كل فرد من أفراد الموصول المذكور بكل واحد مما ذكر في حيز الصلة بل على اتصاف الكل بالكل في الجملة سواء كان ذلك باتصاف كل فرد من الموصول بواحد من الأوصاف المذكورة أو باثنين منها، أو بأكثر فحينئذٍ يتأتى ما ذكر إما بطريق التوزيع أي منهم الذين قتلوا ومنهم الذين قاتلوا، أو بطريق حذف بعض الموصولات من البين ـ كما هو رأي الكوفيين ـ أي والذين قتلوا والذين قاتلوا، ويؤيد كون المعنى على اتصاف الكل بالكل في الجملة أنه لو كان المعنى على اتصاف كل فرد بالكل لكان قد أضيع عمل من اتصف بالبعض مع أن الأمر ليس كذلك، والقول ـ بأن المراد قتلوا وقد قاتلوا فقد مضمرة، والجملة حالية ـ مما لا ينبغي أن يخرّج عليه الكلام الجليل. وقرأ ابن كثير وابن عامر { قُـتِلُواْ } بالتشديد للتكثير.

{ لأُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَـٰتِهِمْ } جواب قسم محذوف أي والله لأكفرن، والجملة القسمية خبر للمبتدأ الذي هو الموصول. وزعم ثعلب أن الجملة لا تقع خبراً ووجهه أن الخبر له محل وجواب القسم لا محل له ـ وهو الثاني ـ فإما أن يقال: إن له محلاً من جهة الخبرية ولا محل له من جهة الجوابية. أو الذي لا محل له الجواب والخبر مجموع القسم وجوابه. ولا يضر كون الجملة إنشائية لتأويلها بالخبر، أو بتقدير قول كما هو معروف في أمثاله والتكفير في الأصل الستر كما أشرنا إليه فيما مر ولاقتضائه بقاء الشيء المستور ـ وهو ليس بمراد ـ فسره هنا بعض المحققين بالمحو، والمراد من محو السيئات محو آثارها من القلب، أو من ديوان الحفظة وإثبات الطاعة مكانها كما قال سبحانه: { { إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدّلُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ } [الفرقان: 70] والمراد من السيئات فيما نحن فيه الصغائر لأنها التي تكفر بالقربات ـ كما نقله ابن عبد البر عن العلماء ـ لكن بشرط اجتناب الكبائر كما حكاه ابن عطية عن جمهور أهل السنة، واستدلوا على ذلك بما في «الصحيحين» من قوله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر" . وقالت المعتزلة: إن الصغائر تقع مكفرة بمجرد اجتناب الكبائر ولا دخل للقربات في تكفيرها، واستدلوا عليه بقوله تعالى: { { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَـاتِكُمْ } [النساء: 31]، وحمله الجمهور على معنى نكفر عنكم سيئاتكم بحسناتكم وأوردوا على المعتزلة أنه قد ورد صوم يوم عرفة كفارة سنتين وصوم يوم عاشوراء كفارة سنة ونحو ذلك من الأخبار كثير، فإذا كان / مجرد اجتناب الكبائر مكفراً فما الحاجة لمقاسات هذا الصوم مثلاً؟ وإنما لم تحمل السيئات على ما يعم الكبائر لأنها لا بد لها من التوبة ولا تكفرها القربات أصلاً في المشهور لإجماعهم على أن التوبة فرض على الخاصة والعامة لقوله تعالى: { { وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 31] ويلزم من تكفير الكبائر بغيرها بطلان فرضيتها وهو خلاف النص.

وقال ابن الصلاح في «فتاويه». قد يكفر بعض القربات ـ كالصلاة ـ مثلاً بعض الكبائر إذا لم يكن صغيرة، وصرح النووي بأن الطاعات لا تكفر الكبائر لكن قد تخففها، وقال بعضهم: إن القربة تمحو الخطيئة سواء كانت كبيرة أو صغيرة، واستدل عليه بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَـاتِ } [هود: 114] وقوله صلى الله عليه وسلم: "أتبع السَّيِّئَةَ الحسنة تمحها" وفيه بحث إذ الحسنة في الآية والحديث بمعنى التوبة إن أخذت السيئة عامة. ولا يمكن على ذلك التقدير حملها على الظاهر لما أن السيئة حينئذٍ تشمل حقوق العباد، والإجماع على أن الحسنات لا تذهبها وإنما تذهبها التوبة بشروطها المعتبرة المعلومة، وأيضاً لو أخذ بعموم الحكم لترتب عليه الفساد من عدم خوف في المعاد على أن في سبب النزول ما يرشد إلى تخصيص كل من الحسنة والسيئة فقد روى الشيخان عن ابن مسعود "أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة ثم أتى النبـي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فسكت النبـي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت الآية فدعاه فقرأها عليه فقال رجل: هذه له خاصة يا رسول الله؟ فقال: بل للناس عامة" ووجه الإرشاد إما إلى تخصيص الحسنة بالتوبة فهو أنه جاءه تائباً وليس في الحديث ما يدل على أنه صدر منه حسنة أخرى، وإما على تخصيص السيئة بالصغيرة فلأن ما وقع منه كان كذلك لأن تقبيل الأجنبية من الصغائر كما صرحوا به، وقال بعض أهل السنة: إن الحسنة تكفر الصغيرة ما لم يصر عليها سواء فعل الكبيرة أم لا مع القول الأصح بأن التوبة من الصغيرة واجبة أيضاً ولو لم يأت بكبيرة لجواز تعذيب الله سبحانه بها خلافاً للمعتزلة، وقيل: الواجب الإتيان بالتوبة أو بمكفرها من الحسنة ـ وفي المسألة كلام طويل ـ ولعل التوبة إن شاء الله تعالى تفضي إلى إتمامه، هذا وربما يقال: إن حمل السيئات هنا على ما يعم الكبائر سائغ بناءاً على أن المهاجرة ترك الشرك وهو إنما يكون بالإسلام والإسلام يجبّ ما قبله، وحينئذٍ يعتبر في السيئات شبه التوزيع بأن يؤخذ من أنواع مدلولها مع كل وصف ما يناسبه ويكون هذا تصريحاً بوعد ما سأله الداعون من غفران الذنوب وتكفير السيئات بالخصوص بعدما وعد ذلك بالعموم، واعترض بأن هذا على ما فيه مبني على أن الإسلام يجبّ ما قبله مطلقاً وفيه خلاف، فقد قال الزركشي: إن الإسلام المقارن للندم إنما يكفر وزر الكفر لا غير، وأما غيره من المعاصي فلا يكفر إلا بتوبة عنه بخصوصه كما ذكره البيهقي، واستدل عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بالأول ولا بالآخر وإن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر" ولو كان الإسلام يكفر سائر المعاصي لم يؤاخذ بها إذا أسلم، وأجيب بأنه مع اعتبار ما ذكر من شبه التوزيع يهون أمر الخلاف كما لا يخفى على أرباب الإنصاف فتدبر.

{ وَلأُْدْخِلْنَّـٰهُمْ جَنَّـٰتِ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } إشارة إلى ما عبر عنه الداعون فيما قبل بقولهم { وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰرسلك } [آل عمران: 194] على أحد القولين، أو رمز إلى ما سألوه بقولهم { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [آل عمران: 194] على القول الآخر { ثَوَاباً } مصدر مؤكد لما قبله لأن معنى الجملة لأثيبنهم بذلك فوضع ثواباً موضع الإثابة وإن كان في الأصل اسماً لما يثاب به كالعطاء لما يعطى، وقيل: إنه تمييز أو حال من جنات لوصفها، أو من ضمير المفعول أي مثاباً بها أو مثابين، وقيل: إنه بدل من جنات، وقال الكسائي: إنه منصوب / على القطع، وقوله تعالى: { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } صفة لثواباً وهو وصف مؤكد لأن الثواب لا يكون إلا من عنده تعالى لكنه صرح به تعظيماً للثواب وتفخيماً لشأنه، ولا يرد أن المصدر إذا وصف كيف يكون مؤكداً، لما تقرر في موضعه أن الوصف المؤكد لا ينافي كون المصدر مؤكداً. وقيل: إنه متعلق ـ بثواباً ـ باعتبار تأويله باسم المفعول.

وقوله سبحانه: { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } تذييل مقرر لمضمون ما قبله، والاسم الجليل مبتدأ خبره { عِندَهُ } و { حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } مرتفع بالظرف على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ، أو هو مبتدأ ثان والظرف خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، والكلام مخرّج مخرج قول الرجل: عندي ما تريد يريد اختصاصه به وتملكه له، وإن لم يكن عنده فليس معنى عنده حسن الثواب أن الثواب بحضرته وبالقرب منه على ما هو حقيقة لفظ عنده، بل مثل هناك كونه بقدرته وفضله بحيث لا يقدر عليه غيره بحال الشيء يكون بحضرة أحد لا يدعيه لغيره، والاختصاص مستفاد من هذا التمثيل حتى لو لم يجعل { حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } مبتدأ مؤخراً كان الاختصاص بحاله، وقد أفادت الآية مزيد فضل المهاجرين ورفعة شأنهم.

وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي وغيرهم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ثلاثة يدخلون الجنة الفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره وإن الله تعالى يدعو يوم القيامة الجنة فتأتى بزخرفتها وزينتها فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي وجاهدوا في سبيلي أدخلوا الجنة فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك ما هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي فتدخل الملائكة عليهم من كل باب" { { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } [الرعد: 42].