التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ
٤١
-آل عمران

روح المعاني

{ قَالَ رَبّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً } أي علامة تدلني على العلوق وإنما سألها استعجالاً للسرور قاله الحسن، وقيل ليتلقى تلك النعمة بالشكر [من] حين حصولها ولا يؤخر حتى تظهر ظهوراً معتاداً، ولعل هذا هو الأنسب بحال أمثاله عليه السلام، وقول السدي: إنه سأل الآية ـ ليتحقق أن تلك البشارة منه تعالى لا من الشيطان ـ ليس بشيء كما أشرنا إليه آنفاً، والجعل إما بمعنى التصيير فيتعدى إلى مفعولين أولهما: { ءايَةً }، وثانيهما: { لِى } والتقديم لأنه المسوغ لكون { ءايَةً } مبتدأ عند الانحلال، وإما بمعنى الخلق والإيجاد فيتعدى إلى مفعول واحد وهو { ءايَةً } و { لِى } حينئذ في محل نصب على الحال من { ءايَةً } لأنه لو تأخر عنها كان صفة لها، وصفة النكرة إذا تقدمت عليها أعربت حالا منها كما تقدمت الإشارة إليه غير مرة ـ ويجوز أن يكون متعلقاً بما عنده وتقديمه للاعتناء به والتشويق لما بعده.

{ قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ } أي أن لا تقدر على تكليمهم من غير آفة وهو الأنسب بكونه آية والأوفق لما في سورة مريم، وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم عن جبير بن معتمر قال: ربا لسانه في فيه حتى ملأه فمنعه الكلام، والآية فيه عدم منعه من الذكر والتسبيح، وعلى كلا التقديرين عدم التكليم اضطراري، وقال أبو مسلم: إنه اختياري، والمعنى ـ آيتك أن تصير مأموراً بعدم التكلم إلا بالذكر والتسبيح ـ ولا يخفى بعده هنا، وعليه وعلى القولين قبله يحتمل أن يراد من عدم التكليم ظاهره فقط وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون كناية عن الصيام لأنهم كانوا إذ ذاك إذا صاموا لم يكلموا أحداً ـ وإلى ذلك ذهب عطاء ـ وهو خلاف الظاهر، ومع هذا يتوقف قبوله على توقيف، وإنما خص تكليم الناس للإشارة إلى أنه غير ممنوع من التكلم بذكر الله تعالى.

{ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } أي متوالية، وقال بعضهم المراد ثلاثة أيام ولياليها، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي ليالي ثلاثة أيام لقوله سبحانه في سورة [مريم: 10] { ثَلَـٰثَ لَيَالٍ } والحق أن الآية كانت عدم التكليم ستة أفراد إلا أنه اقتصر تارة على ذكر ثلاثة أيام منها وأخرى على ثلاث ليال وجعل ما لم يذكر في كل تبعاً لما ذكر، قيل: وإنما قدم التعبير بالأيام لأن يوم كل ليلة/ قبلها في حساب الناس يومئذ، وكونه بعدها إنما هو عند العرب خاصة كما تقدمت الإشارة إليه، واعترض بأن ـ آية الليالي ـ متقدمة نزولاً لأن السورة التي هي فيها مكية والسورة التي فيها ـ آية الأيام ـ مدنية، وعليه يكون أول ظهور هذه الآية ليلاً ويكون اليوم تبعاً لليلة التي قبلها على ما يقتضيه حساب العرب فتدبر فالبحث محتاج إلى تحرير بعد، وإنما جعل عقل اللسان آية العلوق لتخلص المدة لذكر الله تعالى وشكره قضاءاً لحق النعمة كأنه قيل له: آية حصول النعمة أن تمنع عن الكلام إلا بشكرها، وأحسن الجواب على ما قيل ما أخذ من السؤال كما قيل لأبـي تمام لم تقول ما لا نفهم؟ فقال: لم لا نفهم ما يقال؟ وهذا مبني على أن سؤال الآية منه عليه السلام إنما كان لتلقي النعمة بالشكر، ولعل دلالة كلامه على ذلك بواسطة المقام وإلا ففي ذلك خفاء كما لا يخفى. وأخرج عبد الرزاق وغيره عن قتادة أن حبس لسانه عليه السلام كان من باب العقوبة حيث طلب الآية بعد مشافهة الملائكة له بالبشارة ولعل الجناية حينئذ من باب ـ حسنات الأبرار سيآت المقربين ـ ومع هذا حسن الظن يميل إلى الأول، ومذهب قتادة ـ لا آمن على الأقدام الضعيفة ـ قتادة.


{ إِلاَّ رَمْزًا } أي إيماءاً وأصله التحرك يقال: ارتمز أي تحرك، ومنه قيل للبحر: الراموز، وأخرج الطيبي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن الرمز فقال: الإشارة باليد والوحي بالرأس فقال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت قول الشاعر:

ما في السماء من الرحمن (مرتمز) إلا إليه وما في الأرض من وزر

وعن مجاهد أن الرمز هنا كان تحريك الشفتين، وقيل: الكتابة على الأرض، وقيل: الإشارة بالمسبحة، وقيل: الصوت الخفي وقيل: كل ما أوجب اضطراباً في الفهم كان رمزاً وهو استثناء منقطع بناءاً على أن الرمز الإشارة والإفهام من دون كلام ـ وهو حينئذ ليس من قبيل المستثنى منه ـ وجوز أن يكون متصلاً بناءاً على أن المراد بالكلام ما فهم منه المرام ولا ريب في كون الرمز من ذاك القبيل، ولا يخفى أن هذا التأويل خلاف الظاهر ويلزم منه أن لا يكون استثناء منقطع في الدنيا أصلاً إذ ما من استثناء إلا ويمكن تأويله بمثل ذلك مما يجعله متصلاً ولا قائل به، وتعقب ابن الشجري النصب على الاستثناء هنا مطلقاً وادعى أن { رَمْزًا } مفعول به منتصب بتقدير حذف الخافض، والأصل أن لا تكلم الناس إلا برمز، فالعامل الذي قبل { إِلا } مفرغ في هذا النحو للعمل فيما بعدها بدليل أنك لو حذفت { إِلا } وحرف النفي استقام الكلام تقول في نحو ـ ما لقيت إلا زيداً ـ لقيت زيداً، وفي ـ ما خرج إلا زيد ـ خرج زيد، وكذا لو قلت ـ آيتك أن تكلم الناس رمزاً ـ استقام وليس كذلك الاستثناء، فلو قلت: ليس القوم في الدار إلا زيداً أو إلا زيد ـ ثم حذفت النفي وإلا ـ فقلت: القوم في الدار زيداً، أو زيد لم يستقم، فكذا المنقطع نحو ـ ما خرج القوم إلا حماراً ـ لو قلت: خرج القوم حماراً لم يستقم قاله السفاقسي.

وقرأ يحيـى بن وثاب { إِلاَّ رَمْزًا } بضمتين جمع رموز كرسول ورسل. وقرىء { ورمزاً } بفتحتين جمع رامز ـ كخادم وخدم ـ وهو من نادر الجمع وعلى القراءتين يكون حالا من الفاعل والمفعول معاً أي مترامزين. ومثله قول عنترة:

متى ما تلقني (فردين) ترجف روانف أليتيك وتستطارا

وجوز أبو البقاء أن يكون { إِلاَّ رَمْزًا } على قراءة الضم مصدراً، وجعله مسكن الميم في الأصل والضم عارض للاتباع كاليسر واليسر، وعليه لا يختلف إعرابه فافهم.

{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ } أي في أيام الحبسة شكراً لتلك النعمة/ كما يشعر به التعرض لعنوان الربوبية، وقيل: يحتمل أن يكون الأمر بالذكر شكراً للنعمة مطلقاً لا في خصوص تلك الأيام، وأن يكون في جميع أيام الحمل لتعود بركاته إليه، والمنساق إلى الذهن هو الأول، والجملة مؤكدة لما قبلها مبينة للغرض منها، واستشكل العطف من وجهين: الأول عطف الإنشاء على الإخبار، والثاني: عطف المؤكد على المؤكد، وأجيب بأنه معطوف على محذوف أي اشكر واذكر، وقيل: لا يبعد أن يجعل الأمر بمعنى الخبر عطفاً على (لا تكلم) فيكون في تقدير: أن لا تكلم وتذكر ربك، ولا يخفى ما فيه { كَثِيراً } صفة لمصدر محذوف أو زمان كذلك أي ذكراً كثيراً وزماناً كثيراً.

{ وَسَبّحْ بِٱلْعَشِىّ } وهو من الزوال إلى الغروب ـ قاله مجاهد ـ وقيل: من العصر إلى ذهاب صدر الليل { وَٱلإبْكَـٰرِ } أي وقته وهو من الفجر إلى الضحى، وإنما قدر المضاف لأن الابكار بكسر الهمزة مصدر لا وقت فلا تحسن المقابلة كذا قيل؛ وهو مبني على أن { ٱلْعَشِىّ } ـ جمع عشية ـ الوقت المخصوص، وإليه ذهب أبو البقاء، والذي ذهب إليه المعظم أنه مصدر أيضاً على فعيل لا جمع. وإليه يشير كلام الجوهري فافهم؛ وقرىء { وَٱلأَبْكَـارِ } بفتح الهمزة فهو حينئذ جمع بكر كسحر لفظاً ومعنى ـ وهو نادر الاستعمال ـ قيل: والمراد بالتسبيح الصلاة بدليل تقييده بالوقت كما في قوله تعالى: { { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [الروم: 17] وقيل: الذكر اللساني كما أن المراد بالذكر الذكر القلبـي، وعلى كلا التقديرين لا تكرار في ذكر التسبيح مع الذكر، و ـ أل ـ في الوقتين للعموم. وأبعد من جعلها للعهد أي عشي تلك الأيام الثلاثة وأبكارها والجار والمجرور متعلق بما عنده، وليس من باب التنازع في المشهور، وجوزه بعضهم فيكون الأمر بالذكر مقيداً بهذين الوقتين أيضاً، وزعم بعضهم أن تقييده بالكثرة يدل على أنه لا يفيد التكرار. وفيه بعد تسليم أنه مقيد به فقط أن الكثرة أخص من التكرار.

هذا ومن باب البطون: في الآيات أن زكريا عليه السلام كان شيخاً هما وكان مرشداً للناس فلما رأى ما رأى أي تحركت غيرة النبوة فطلب من ربه ولداً حقيقياً يقوم مقامه في تربية الناس وهدايتهم فقال: { رَبّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً } [آل عمران: 38] أي مطهرة من لوث الاشتغال بالسوى منفردة عن إراداتها مقدسة من شهواتها { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَٰـئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ } على ساق الخدمة { يُصَلّى فِى ٱلْمِحْرَابِ } وهو محل المراقبة ومحاربة النفس { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } وسمي به لأن من شاهد الحق في جمال نبوته يحيا قلبه من موت الفترة، أو لأنه هو يحيا بالنبوة والشهادة { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } وهو ما ينزل به الملك على القلوب المقدسة { وَسَيّدًا } وهو الذي غلب عليه نور هيبة عزة الحق، وقال الصادق: هو المباين للخلق وصفاً وحالاً وخلقاً؛ وقال الجنيد: هو الذي جاد بالكونين طلباً لربه، وقال ابن عطاء: هو المتحقق بحقيقة الحق، وقال ابن منصور: هو من خلا عن أوصاف البشرية وحلى بنعوت الربوبية، وقال محمد بن علي: هو من استوت أحواله عند المنع والإعطاء والرد والقبول { وَحَصُورًا } وهو الذي حصر ومنع عن جميع الشهوات وعصم بالعصمة الأزلية، وقال الاسكندراني: هو المنزه عن الأكوان وما فيها { وَنَبِيّا } أي مرتفع القدر بهبوط الوحي عليه ومعدوداً { مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } [آل عمران: 39] وهم أهل الصف الأول من صفوف الأرواح المجندة المشاهدة للحق في مرايا الخلق { قَالَ } استعظاماً للنعمة: { رَبّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ } والحال { قَدْ بَلَغَنِيَ ٱلْكِبَرُ } وهو أحد الموانع العادية { وَٱمْرَأَتِى عَاقِرٌ } وهو مانع آخر { قَالَ كَذٰلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء } [آل عمران: 40] حسبما تقتضيه الحكمة { قَالَ رَبّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً } على العلوق لأشكرك على هذه النعمة إذ شكر المنعم واجب وبه تدوم المواهب الإلهية { قَالَ آيَتُكَ / أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ } بأن يحصر لسانك عن محادثتهم ليتجرد سرك لربك ويكون ظاهرك وباطنك مشغولاً به { إِلاَّ رَمْزًا } تدفع به ضيق القلب عند الحاجة، وحقيقة الرمز عند العارفين تعريض السر إلى السر وإعلام الخاطر للخاطر بنعت تحريك سلسلة المواصلة بين المخاطب والمخاطب { وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا } بتخليص النية عن الخطرات وجمع الهموم بنعت تصفية السر في المناجاة وتحير الروح في المشاهدات { وَسَبّحْ } أي نزه ربك عن الشركة في الوجود { بِٱلْعَشِىّ وَٱلإبْكَـٰرِ } [آل عمران: 41] بالفناء والبقاء.

وإن أردت تطبيق ما في الآفاق على ما في الأنفس فتقول: { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا } الاستعداد { رَبَّهُ قَالَ رَبّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً } وهي النفس الطاهرة المقدسة عن النقائص { إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَاء } [آل عمران: 38] ممن صدق في الطلب { فَنَادَتْهُ } ملائكة القوى الروحانية { وَهُوَ قَائِمٌ } منتهض لتكميل النشأة { يُصَلّى } ويدعو في محراب التضرع إلى الله تعالى المفيض على القوابل بحسب القابليات { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } وهو الروح الحي بروح الحق والصفات الإلهية { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } وهي ما تلقيها ملائكة الإلهام من قبل الفياض المطلق { وَسَيّدًا } لم تملكه الشهوات النفسانية { وَحَصُورًا } أي مبالغاً في الامتناع عن اللذائذ الدنيوية { وَنَبِيّا } بما يتلقاه من عالم الملكوت ومعدوداً { مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } [آل عمران: 39] لهاتيك الحضرة القائمين بحقوق الحق والخلق لاتصافه بالبقاء بعد الفناء { قَالَ رَبّ أَنّىٰ } أي كيف { يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ } وضعف القوى الطبيعية { وَٱمْرَأَتِى } وهي النفس الحيوانية { عَاقِرٌ } عقيم عن ولادة مثل هذا الغلام إذ لا تلد الحية إلا حيية { قَالَ كَذٰلِكَ ٱللَّهُ } في غرابة الشأن { يَفْعَلُ مَا يَشَاء } [آل عمران: 40] من العجائب التي يستبعدها من قيده النظر إلى المألوفات، وبقي أسيراً في سجن العادات { قَالَ رَبّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً } على ذلك لأشكرك مستمطراً زيادة نعمك التي لا منتهى لها { قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ } وهم ما يأنس به من اللذائذ المباحة { ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } وهي يوم الفناء بالأفعال ويوم الفناء بالصفات ويوم الفناء بالذات { إِلاَّ رَمْزًا } أي قدراً يسيراً تدعو الضرورة إليه { وَٱذْكُر رَّبَّكَ } الذي رباك حتى أوصلك إلى هذه الغاية { كَثِيراً } حيث منّ عليك بخير كثير { وَسَبّحْ } أي نزه ربك عن نقائص التقيد بالمظاهر { بِٱلْعَشِىّ وَٱلإبْكَـٰرِ } أي وقتي الصحو والمحو.

وبعض الملتزمين لذكر البطون ذكر في تطبيق ما في الآفاق على ما في الأنفس أن القوى البدنية امرأة عمران الروح نذرت ما في قوتها من النفس المطمئنة فوضعت أنثى النفس فكفلها زكريا الفكر فدخل عليها زكريا محراب الدماغ فوجد عندها رزقاً من المعاني الحدسية التي انكشفت لها بصفائها فهنالك دعا زكريا الفكر بتركيب تلك المعاني واستوهب ولداً مقدساً من لوث الطبيعة فسمع الله تعالى دعاءه فنادته ملائكة القوى الروحانية وهو قائم في أمره بتركيب المعلومات يناجي ربه باستنزال الأنوار في محراب الدماغ { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } العقل مصدقاً بعيسى القلب الذي هو كلمة من الله لتقدسه عن عالم الأجرام { وَسَيّدًا } لجميع أصناف القوى { وَحَصُورًا } عن مباشرة الطبيعة { وَنَبِيّا } بالإخبار عن المعارف والحقائق وتعليم الأخلاق ومنتظماً في سلك الصالحين وهم المجردات ومقربو الحضرة { قَالَ [رَبّ] أَنَّىٰ يَكُونُ } ذلك { وَقَدْ بَلَغَنِي } كبر منتهى الطور { وَٱمْرَأَتِى } وهي طبيعة الروح النفسانية { عَاقِرٌ } بالنور المجرد فطلب لذلك علامة فقيل له: علامة ذلك الإمساك عن مكالمة القوى البدنية في تحصيل مآربهم من اللذائذ { ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } كل يوم عقد تام من أطوار العمر وهو عشر سنين { إِلا } بالإشارة الخفية، وأمر بالذكر في هذه الأيام التي هي مع العشر الأول التي هي سن التميز أربعون سنة/ انتهى ـ وهو قريب مما ذكرته ـ ولعل ما ذكرته على ضعفي أولى منه، وباب التأويل واسع وبطون كلام الله تعالى لا تحصى.