التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ
٨٠
-آل عمران

روح المعاني

{ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ وَٱلنَّبِيّيْنَ أَرْبَابًا } قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب ـ ولا يأمركم ـ بالنصب عطفاً على { { يِقُولُ } [آل عمران: 79]، { وَلاَ } إما مزيدة لتأكيد معنى النفي الشائع في الاستعمال سيما عند طول العهد وتخلل الفصل، والمعنى ما كان لبشر أن يؤتيه الله تعالى ذلك ويرسله للدعوة إلى اختصاصه بالعبادة وترك الأنداد، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عباداً له، ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً فهو كقولك: ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بـي، وإما غير زائدة بناءاً على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن عبادة الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام فلما قيل له: أنتخذك رباً؟ قيل لهم: ما كان لبشر أن يتخذه الله تعالى نبياً ثم يأمر الناس بعبادته وينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء مع أن من يريد أن يستعبد شخصاً يقول له: ينبغي أن تعبد أمثالي وأكفائي وعلى هذا يكون المقصود ـ من عدم الأمر ـ النهـي وإن كان أعم منه لكونه أمسّ بالمقصود وأوفق للواقع.

وقرأ باقي السبعة { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ } بالرفع على الاستئناف، ويحتمل الحالية، وقيل: والرفع على الاستئناف أظهر، وينصره قراءة { وَلَنْ يَأْمُرُكُمْ } ووجهت الأظهرية بالخلو عن تكلف جعل عدم الأمر بمعنى النهي، وبأن العطف يستدعي تقديمه على { لَكِنِ } وكذا الحالية أيضاً. / وقرىء بإسكان الراء فراراً من توالي الحركات وعلى سائر القراآت ضمير الفاعل عائد على ـ بشر ـ وجوز عوده في بعضها على الله تعالى، وجوز الأمران أيضاً في قوله تعالى: { أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ } والاستفهام فيه للإنكار وكون مرجع الضمير في أحد الاحتمالين نكرة يجعله عاماً { بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } استدل به الخطيب على أن الآية نزلت في المسلمين القائلين «أفلا نسجد لك؟» بناءاً على الظاهر، ووجه كون الخطاب للكفار وأن الآية نزلت فيهم بأنه يجوز أن يقال لأهل الكتاب: { أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ } أي منقادون مستعدون للدين الحق إرخاءاً للعنان واستدراجاً، والقول ـ بأن كل مصدق بنبيه مسلم ودعواه أنه أمره نبيه بما يوجب كفره دعوى أنه أمره بالكفر بعد إسلامه فدلالة هذا على أن الخطاب للمسلمين ضعيفة ـ في غاية السقوط كما لا يخفى.