التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٧
-السجدة

روح المعاني

{ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ } أي كل نفس من النفوس لا ملك مقرب ولا نبـي مرسل فضلاً عمن عداهم فإن النكرة في سياق النفي تعم، والفاء سببية أو فصيحة أي أعطوا فوق رجاءهم فلا تعلم نفس { مَّا أُخْفِىَ لَهُم } أي لأولئك الذين عددت نعوتهم الجليلة { مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } أي مما تقر به أعين، وفي إضافة القرة إلى الأعين على الإطلاق لا إلى أعينهم تنبيه على أن ما أخفي لهم في غاية الحسن والكمال. وروى الشيخان وغيرهما عن أبـي هريرة عن النبـي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتكم عليه اقرؤا إن شئتم { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ }" وأخرج القريابـي وابن أبـي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: إنه لمكتوب في التوراة: لقد أعد الله تعالى للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ولا يعلم ملك مقرب ولا نبـي مرسل وإنه لفي القرآن { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ }.

{ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي جوزوا جزاءً بسبب ما كانوا يعملونه من الأعمال الصالحة فجزاء مفعول مطلق لفعل مقدر والجملة مستأنفة. وجوز جعلها حالية، وقيل: يجوز جعله مصدراً مؤكداً لمضمون الجملة المتقدمة، وقيل: يجوز أن يكون مفعولاً له لقوله تعالى: { لاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ } على معنى منعت العلم للجزاء أو لأخفي فإن إخفاءه لعلو شأنه، وعن الحسن أنه قال: أخفى القوم أعمالاً في الدنيا فأخفى الله تعالى لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت أي أخفي ذلك ليكون الجزاء من جنس العمل. وفي «الكشف» أن هذا يدل على أن الفاء في قوله تعالى: { فَلاَ تَعْلَمُ } رابطة للاحق بالسابق وأصله فلا يعلمون والعدول لتعظيم الجزاء، وعدم ذكر الفاعل في { أُخْفِىَ } ترشيح له لأن جازيه من هو العظيم وحده فلا يذهب وهل إلى غيره سبحانه اهـ فتأمل.

وقرأ حمزة ويعقوب والأعمش { أخفى } بسكون الياء فعلاً مضارعاً للمتكلم، وابن مسعود { نخفى } بنون العظمة، والأعمش أيضاً { أخفيت } بالإسناد إلى ضمير المتكلم وحده، ومحمد بن كعب { أخفى } فعلاً ماضياً مبنياً للفاعل. و { مَا } في جميع ذلك اسم موصول مفعول { تَعْلَمْ } والعلم بمعنى المعرفة والعائد الضمير المستتر النائب عن الفاعل على قراءة الجمهور وضميره محذوف على غيرها، وقال أبو البقاء: يجوز أن تكون { مَا } استفهامية وموضعها رفع بالابتداء و { أُخْفِىَ لَهُم } خبره على قراءة من فتح الياء وعلى قراءة من سكنها وجعل { أُخْفِىَ } مضارعاً يكون { مَا } في موضع نصب بأخفى ويعلم منه حالها على سائر القراءات، وإذا كانت استفهامية يجوز أن يكون العلم بمعنى المعرفة وأن يكون على ظاهره فيتعدى لمفعولين تسد الجملة الاستفهامية مسدهما، وعلى كل من احتمالي الموصولية والاستفهامية فالإبهام للتعظيم. وقرأ عبد الله وأبو الدرداء وأبو هريرة وعون والعقيلي { من قرات } على الجمع بالألف والتاء، وهي رواية عن أبـي عمرو وأبـي جعفر والأعمش، وجمع المصدر أو اسمه لاختلاف أنواع القرة، والجار والمجرور في موضع الحال.