التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ
٢٧
-السجدة

روح المعاني

{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } الكلام فيه كالكلام في { أَوَ لَمْ يَهْدِ } [السجدة: 26] أي أعموا ولم يشاهدوا { أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَاء } بسوق السحاب الحامل له، وقيل: نسوق نفس الماء بالسيول، وقيل: بإجرائه في الأنهار ومن العيون { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } أي التي جرز نباتها أي قطع إما لعدم الماء وإما لأنه رعي وأزيل كما في «الكشاف». وفي «مجمع البيان» الأرض الجرز اليابسة التي ليس فيها نبات لانقطاع الأمطار عنها من قولهم: سيف جراز أي قطاع لا يبقى شيئاً إلا قطعه وناقة جراز إذا كانت تأكل كل شيء فلا تبقي شيئاً إلا قطعته بفيها ورجل جروز أي أكول، قال الراجز:

خب جروز وإذا جاع بكى

وقال الراغب: الجرز منقطع النبات من أصله وأرض مجروزة أكل ما عليها، وفي مثل لا ترضى شانئة إلا بجرزة أي بالاستئصال، والجارز الشديد من السعال تصور منه معنى الجرز وهو القطع بالسيف اهـ، ويفهم مما قاله أن الجرز يطلق على ما انقطع نباته لكونه ليس / من شأنه الإنبات كالسباخ وهو غير مناسب هنا لقوله تعالى: { فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً } والظاهر أن المراد الأرض المتصفة بهذه الصفة أي أرض كانت، وأخرج ابن أبـي حاتم عن الحسن أنها قرى بين اليمن والشام. وأخرج هو وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي شيبة عن ابن عباس أنها أرض باليمن، وإلى عدم التعيين ذهب مجاهد، أخرج عنه جماعة أنه قال: الأرض الجرز هي التي لا تنبت وهي أبين ونحوها من الأرض وقرىء { ٱلْجُرُزِ } بسكون الراء، وضمير { بِهِ } للماء والكلام على ظاهره عند السلف الصالح وقالت الأشاعرة: المراد فنخرج عنده، والزرع في الأصل مصدر وعبر به عن المرزوع والمراد به ما يخرج بالمطر مطلقاً فيشمل الشجر وغيره ولذا قال سبحانه: { تَأْكُلُ مِنْهُ } أي من ذلك الزرع { أَنْعَـٰمُهُمْ } كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها { وَأَنفُسهم } كالبقول والحبوب التي يقتاتها الإنسان، وفي «البحر» يجوز أن يراد بالزرع النبات المعروف وخص بالذكر تشريفاً له ولأنه أعظم ما يقصد من النبات، ويجوز أن يراد به النبات مطلقاً، وقدم الأنعام لأن انتفاعها مقصور على ذلك والإنسان قد يتغذى بغيره ولأن أكلها منه مقدم لأنها تأكله قبل أن يثمر ويخرج سنبله، وقيل ليترقى من الأدنى إلى الأشرف وهم بنو آدم. وقرأ أبو حيوة وأبو بكر في رواية { يَأْكُلُ } بالياء التحتية.

{ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } أي ألا يبصرون فلا يبصرون ذلك ليستدلوا به على كمال قدرته تعالى وفضله عز وجل، وجعلت الفاصلة هنا { يُبْصِرُونَ } لأن ما قبله مرئى وفيما قبله { يَسْمَعُونَ } لأن ما قبله مسموع، وقيل: ترقيا إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير ورفع العذر. وقرأ ابن مسعود { تُبْصِرُونَ } بالتاء الفوقية.