التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً
١٢
-الأحزاب

روح المعاني

{ وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } عطف على { { إِذْ زَاغَتِ } [الأحزاب: 10] وصيغة المضارع لما مر من الدلالة على استمرار القول واستحضار صورته. { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } ظاهر العطف أنهم قوم لم يكونوا منافقين فقيل: هم قوم كان المنافقون يستميلونهم بإدخال الشبهة عليهم، وقيل: قوم كانوا ضعفاء الاعتقاد لقرب عهدهم بالإسلام. وجوز أن يكون المراد بهم المنافقين أنفسهم والعطف لتغاير الوصف كقوله:

إلى الملك القرم وابن الهمام

{ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } من الظفر وإعلاء الدين { إِلاَّ غُرُوراً } أي وعد غرور، وقيل: أي قولاً باطلاً وفي «البحر» أي أمراً يغرنا ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به روي أن الصحابة بينما يحفرون الخندق عرضت لهم صخرة بيضاء مدورة شديدة جداً لا تدخل فيها المعاول فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول من سلمان رضي الله تعالى عنه فضربها ضربة فصدعها وبرقت منها برقة أضاء منها ما بين لابتي المدينة حتى لكأن / مصباحاً في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون ثم ضربها الثانية فصدعها وبرقت منها برقة أضاء منها ما بين لابتيها فكبر عليه الصلاة والسلام وكبر المسلمون ثم ضربها الثالثة فكسرها وبرقت برقة أضاء منها ما بين لابتيها فكبر صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون فسئل عن ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها وأضاء لي الثانية قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا بالنصر فاستبشر المسلمون وقال رجل من الأنصار يدعى معتب بن قشير وكان منافقاً: أيعدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتح لنا مدائن اليمن وبيض المدائن وقصور الروم وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل هذا والله الغرور فأنزل الله تعالى في هذا { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } الخ.

وفي رواية قال المنافقون حين سمعوا ذلك ألا تعجبون يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا فأنزل الله تعالى قوله سبحانه: { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } ووجه الجمع على القول بأن القائل واحد أن الباقين راضون بذلك قابلوه منه، والظاهر أن نسبة الوعد إلى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة من المنافقين الذين لا يعتقدون اتصافه صلى الله عليه وسلم بالرسالة ولا أن الوعد وعد الله تعالى شأنه كانت من باب المماشاة أو الاستهزاء وإن كانت قد وقعت من غيرهم فهي بالتبعية لهم. ويجوز أن يكون وقوع ما ذكر في الحكاية لا في كلامهم ويستأنس له بما وقع في بعض الآثار وبعضهم بحث عن إطلاق الرسول عليه صلى الله عليه وسلم فقال إنه في الحكاية لا في كلامهم كما يشهد بذلك ما روي عن معتب أو هو تقية لا استهزاء لأنه لا يصح بالنسبة لغير المنافقين فتأمل ولا تغفل.