التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
٣٥
-الأحزاب

روح المعاني

{ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ } أي الداخلين في السلم المنقادين لحكم الله تعالى أو المفوضين أمرهم لله عز وجل من الذكور والإناث { وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } المصدقين بما يجب أن يصدق به من الفريقين. { وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ } المداومين على الطاعات القائمين بها { وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ } في أقوالهم التي يجب الصدق فيها، وقيل في القول والعمل. وأخرج ابن أبـي حاتم عن ابن جبير أنه قال أي في إيمانهم { وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ } على المكاره وعلى العبادات وعن المعاصي { وَٱلْخَـٰشِعِينَ وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ } المتواضعين لله تعالى بقلوبهم وجوارحهم. وقيل: الذين لا يعرفون من عن أيمانهم وشمائلهم إذا كانوا في الصلاة { وَٱلْمُتَصَدّقِينَ وَٱلْمُتَصَدّقَـٰتِ } بما يحسن التصدق به من فرض وغيره { وٱلصَّـٰئِمِينَ وٱلصَّـٰئِمَـٰتِ } الصوم المشروع فرضاً كان أو نفلاً، وعن عكرمة الاقتصار على صوم رمضان، وقيل: من تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين ومن صام البيض من كل شهر فهو من الصائمين { وَٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَـٰفِـظَـٰتِ } عما لا يرضى به الله تعالى.

{ وَٱلذكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذكِرٰتِ } بالألسنة والقلوب ومدار الكثرة العرف عند جمع، وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن مجاهد قال: لا يكتب الرجل من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله تعالى قائماً وقاعداً ومضطجعاً. وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن أبـي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل فصليا ركعتين كانا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات" ، وقيل: المراد بذكر الله تعالى ذكر آلائه سبحانه ونعمه وروي ذلك عن عكرمة ومآل هذا إلى الشكر وهو خلاف الظاهر. { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ } بسبب كسبهم ما ذكر من الصفات { مَغْفِرَةٍ } لما اقترفوا من الصغائر لأنهن مكفرات بالأعمال الصالحة كما ورد { وَأَجْراً عَظِيماً } على ما عملوا من الطاعات.

والآية وعد للأزواج المطهرات وغيرهن ممن اتصفت بهذه الصفات، أخرج أحمد والنسائي وغيرهما عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: / قلت للنبـي صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ فلم يرعني منه صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلا نداءه على المنبر وهو يقول: { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ } إلى آخر الآية، وضمير ما لنا للنساء على العموم ففي رواية أخرى رواها النسائي وجماعة عنها أيضاً أنها قالت: قلت للنبـي عليه الصلاة والسلام ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن والنساء لا يذكرون؟ فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ } الآية.

وفي بعض الآثار ما يدل على أن القائل غيرها، أخرج الترمذي وحسنه والطبراني وعبد بن حميد وآخرون عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبـي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ } الخ. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: دخل نساء على نساء النبـي صلى الله عليه وسلم فقلن: قد ذكركن الله تعالى في القرآن وما يذكرنا بشيء أما فينا ما يذكر فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ } الآية، وفي رواية أخرى عنه أنه قال: لما ذكر أزواج النبـي صلى الله عليه وسلم قال النساء: لو كان فينا خير لذكرنا فأنزل الله تعالى الآية. ولا مانع أن يكون كل ذلك.

وعطف الإناث على الذكور كالمسلمات على المسلمين والمؤمنات على المؤمنين ضروري لأن تغاير الذوات المشتركة في الحكم يستلزم العطف ما لم يقصد السرد على طريق التعديد، وعطف الزوجين أعني مجموع كل مذكر ومؤنث كعطف مجموع المؤمنين والمؤمنات على مجموع المسلمين والمسلمات غير لازم وإنما ارتكب هٰهنا للدلالة على أن مدار اعداد ما أعد لهم جمعهم بين هذه النعوت الجميلة.

وذكر الفروج متعلقاً للحفظ لكونها مركب الشهوة الغالبة، وذكر الاسم الجليل متعلقاً للذكر لأنه الاسم الأعظم المشعر بجميع الصفات الجليلة، وحذف متعلق كل من الحافظات والذاكرات لدلالة ما تقدم عليه، وجعل الذكر آخر الصفات لعمومه وشرفه { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [العنكبوت: 45] وتذكير الضمير في { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ } لتغليب الذكور على الإناث وإلا فالظاهر لهم ولهن، ولله تعالى در التنزيل أشار في أول الآية وآخرها إلى أفضلية الذكور على الإناث.