التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً
٣٦
-الأحزاب

روح المعاني

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } أي ما صح وما استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين. { إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً } أي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الله تعالى لتعظيم أمره بالإشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام بمنزلة من الله تعالى بحيث تعد أوامره أوامر الله عز وجل أو للإشعار بأن ما يفعله صلى الله عليه وسلم إنما يفعله بأمره لأنه لا ينطق عن الهوى فالنظم إما من قبيل { { فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [الأنفال: 41] أو من قبيل { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62].

{ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخَيرَةُ منْ أَمْرهمْ } أي أن يختاروا من أمرهم ما شاؤوا بل يجب عليهم أن يجعلوا رأيهم تبعاً لرأيه عليه الصلاة والسلام واختيارهم تلواً لاختياره. والخيرة مصدر من تخير كالطيرة مصدر من تطير، ولم يجيء على ما قيل مصدر بهذه الزنة غيرهما، وقيل: هي صفة مشبهة وفسرت بالمتخير، و { مِنْ أَمْرِهِمْ } متعلق بها أو بمحذوف وقع حالاً منها، وجمع الضمير في { لَهُمْ } رعاية للمعنى لوقوع مؤمن ومؤمنة في سياق النفي والنكرة الواقعة في سياقه تعم، وكان من حقه على ما في «الكشاف» توحيده كما تقول: ما جاءني من امرأة ولا رجل إلا كان من شأنه كذا. وتعقبه أبو حيان بأن هذا عطف بالواو والتوحيد في العطف بأو نحو من جاءك من شريف أو وضيع أكرمه فلا يجوز إفراد الضمير في ذاك إلا بتأويل الحذف. وجمعه في { أَمْرِهِمْ } مع أنه للرسول صلى الله عليه وسلم أو له ولله عز وجل للتعظيم على ما قيل. / وقال بعض الأجلة: لم يظهر عندي امتناع أن يكون عائداً على ما عاد عليه الأول على أن يكون المعنى ناشئة من أمرهم أي دواعيهم السائقة إلى اختيار خلاف ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو يكون المعنى الاختيار في شيء من أمرهم أي أمورهم التي يعنونها. ويرجح عوده على ما ذكر بعدم التفكيك ورد بأن ذاك قليل الجدوى ضرورة أن الخيرة ناشئة من دواعيهم أو واقعة في أمورهم وهو بين مستغن عن البيان بخلاف ما إذا كان المعنى بدل أمره الذي قضاه عليه الصلاة والسلام أو متجاوزين عن أمره لتأكيده وتقريره للنفي وهذا هو المانع من عوده إلى ما عاد عليه الأول، والحق أنه لا مانع من ذلك على أن يكون المعنى ما كان للمؤمنين أن يكون لهم اختيار في شيء من أمورهم إذا قضى الله ورسوله لهم أمراً، ولا نسلم أن ما عد مانعاً مانع فتدبر. ولعل الفائدة في العدول عن الظاهر في الضمير الأول على ما قال الطيبـي الإيذان بأنه كما لا يصح لكل فرد فرد من المؤمنين أن يكون لهم الخيرة كذلك لا يصح أن يجتمعوا ويتفقوا على كلمة واحدة لأن تأثير الجماعة واتفاقهم أقوى من تأثير الواحد، ويستفاد منه فائدة الجمع في الضمير الثاني على تقدير عوده على ما عاد عليه الأول وكذا وجه إفراد الأمر إذا أمعن النظر.

وقرأ الحرميان والعربيان وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة والأعرج وعيسى (تكون) بتاء التأنيث والوجه ظاهر ووجه القراءة بالياء وهي قراءة الكوفيين والحسن والأعمش والسلمي أن المرفوع بالفعل مفصول مع كون تأنيثه غير حقيقي، وقرىء كما ذكر عيسى بن سليمان { ٱلْخِيَرَةُ } بسكون الياء.

{ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في أمر من الأمور ويعمل فيه برأيه { فَقَدْ ضَلَّ } طريق الحق { ضَلَـٰلاً مُّبِيناً } أي بين الانحراف عن سنن الصواب، والظاهر أن هذا في الأمور المقضية على ما يشعر به السوق، والآية على ما روي عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم نزلت في زينب بنت جحش بنت عمته صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب وأخيها عبد الله خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمولاه زيد بن حارثة وقال: إني أريد أن أزوجك زيد بن حارثة فإني قد رضيته لك فأبت وقالت: يا رسول الله لكني لا أرضاه لنفسي وأنا أيم قومي وبنت عمتك فلم أكن لأفعل. وفي رواية أنها قالت: أنا خير منه حسباً ووافقها أخوها عبد الله على ذلك فلما نزلت الآية رضيا وسلما فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً بعد أن جعلت أمرها بيده وساق إليها عشرة دنانير وستين درهماً مهراً وخماراً وملحفة ودرعاً وإزاراً وخمسين مداً من طعام وثلاثين صاعاً من تمر. وأخرج ابن أبـي حاتم عن ابن زيد أنه قال نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبـي معيط وكانت أول امرأة هاجرت من النساء فوهبت نفسها للنبـي صلى الله عليه وسلم فزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالت إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا عبده.