التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ
٤٠
-سبأ

روح المعاني

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } أي المستكبرين والمستضعفين أو الفريقين وما كانوا يعبدون من دون الله عز وجل، و { يَوْمٍ } ظرف لمضمر متقدم أي واذكر يوم أو متأخر أي ويوم نحشرهم جميعاً { ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـٰئِكَةِ } إلى آخرة يكون من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به نطاق المقال، وظاهر العطف بثم يقتضي أن القول للملائكة متراخ عن الحشر وفي الآثار ما يشهد له، فقد روي أن الخلق بعد أن يحشروا يبقون قياماً في الموقف سبع آلاف سنة لا يكلمون حتى يشفع في فصل القضاء نبينا صلى الله عليه وسلم فلعله عند ذلك يقول سبحانه للملائكة عليهم السلام: { أَهَـؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } تقريعاً للمشركين وتبكيتاً وإقناطاً لهم عما علقوا به أطماعهم الفارغة من شفاعة الملائكة عليهم السلام لعلمه سبحانه بما تجيب به على نهج قوله تعالى لعيسى عليه السلام { أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ } [المائدة: 116] وتخصيصهم بالذكر لأنهم أشرف شركاء المشركين الذين لا كتاب لهم والصالحون عادة للخطاب وعبادتهم مبدأ الشرك - بناء على ما نقل ابن الوردي في «تاريخه» في أن سبب حدوث عبادة الأصنام في العرب أن عمرو بن لحي مر بقوم بالشام فرآهم يعبدون الأصنام فسألهم فقالوا له هذه أرباب نتخذها على شكل الهياكل العلوية فنستنصر بها ونستسقي فتبعهم وأتى بصنم معه إلى الحجاز وسول للعرب فعبدوه واستمرت عبادة الأصنام فيهم إلى أن جاء الإسلام وحدثت عبادة عيسى عليه السلام بعد ذلك بزمان كثير - فبظهور قصورهم عن رتبة المعبودية وتنزههم عن عبادتهم يظهر حال سائر الشركاء بطريق الأولوية.

و { هَـؤُلاء } مبتدأ و { كَانُواْ يَعْبُدُونَ } خبره و { إِيَّاكُمْ } مفعول { يَعْبُدُونَ } قدم للفاصلة مع أنه أهم لأمر التقريع واستدل بتقديمه على جواز تقديم خبر كان إذا كان جملة عليها كما ذهب إليه ابن السراج فإن تقديم المعمول مؤذن بجواز تقديم العامل. وتعقبه أبو حيان بأن هذه القاعدة ليست مطردة ثم قال: والأولى منع ذلك إلا أن يدل على جوازه سماع من العرب، وقرأ جمهور القراء { نحشرهم. ثم نقول } بالنون في الفعلين.