التفاسير

< >
عرض

فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ
٥٥
-الصافات

روح المعاني

{ فَأَطَّلِعَ } أي على أهل النار { فَرَءاهُ } أي فرأى قرينه { فِى سَوَاء ٱلْجَحِيمِ } أي في وسطها، ومنه قول عيسى بن عمر لأبـي عبيدة كنت أكتب حتى ينقطع سوائي، وسمي الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب. وقرأ أبو عمرو في رواية حسين الجعفي { مُطْلِعون } بإسكان الطاء وفتح النون { فأُطلع } بضم الهمزة وسكون الطاء وكسر اللام فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول، وهي قراءة ابن عباس وابن محيصن وعمار ابن أبـي عمار وأبـي سراج، وقرىء { مطلعون } مشدداً { فاطلع } مشدداً أيضاً مضارعاً منصوباً على جواب الاستفهام. وقرىء { مطلعون } بالتخفيف { فأطلع } مخففاً فعلاً ماضياً و { فأطلع } مخففاً مضارعاً منصوباً. وقرأ أبو البرهسم وعمار بن أبـي عمار فيما ذكره خلف عنه { مطلعون } بتخفيف الطاء وكسر النون { فأطلع } ماضياً مبنياً للمفعول. ورد هذه القراءة أبو حاتم وغيره لجمعها بين نون الجمع وياء المتكلم والوجه مطلعي كما قال عليه الصلاة والسلام: "أو مخرجي هم" ووجهها أبو الفتح على تنزيل اسم الفاعل منزلة المضارع فيقال عنده ضاربونه مثلاً كما يقال يضربونه وعليه قوله:

هم الآمرون الخير والفاعلونه إذا ما خشوا من محدث الدهر معظما

وأنشد الطبري قول الشاعر:

وما أدري وظني كل ظن أمسلمني إلى قومي شراحي

ومثله قول الآخر:

فهل فتى من سراة الحي يحملني وليس حاملني إلا ابن حمال

وهذه النون عند جمع نون الوقاية ألحقت مع الوصف حملاً له على الفعل وليست مثل النون في القراءة، وفي البيت وإن كان إلحاق كل للحمل. وقال بعضهم: إنها نون التنوين وحركت لالتقاء الساكنين، ورد بأنه سمع إلحاقها مع أل كقوله: وليس الموافيني ومع أفعل التفضيل كما وقع في الحديث "غير الدجال أخوفني عليكم". ويعلم من هذا عدم اختصاص إلحاقها بالشعر نعم هو في غيره قليل، وضعف بعضهم ما وجه به أبو الفتح وقال: إن ذلك لا يقع إلا في الشعر وخرجت أيضاً على أنها من وضع المتصل موضع المنفصل وأريد بذلك أن الأصل مطلعون إياي ثم جعل المنفصل متصلاً فقيل مطلعوني ثم حذفت الياء واكتفي عنها بالكسرة كما في قوله تعالى: { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [الحج: 44]. ومثله يقال في الفاعلونه في البيت السابق، ورد ذلك أبو حيان بأن ما ذكر ليس من محال المنفصل حتى يدعى أن المتصل وقع موقعه وادعى أولوية تخريج أبـي الفتح، والبيت قيل مصنوع لا يصح الاستشهاد/ به، وقيل إن الهاء هاء السكت حركت للضرورة وهو فرار من ضرورة لأخرى إذ تحريكها وإثباتها في الوصل غير جائز، وللنحاة في مسألة إثبات النون مع إضافة الوصف إلى الضمير كلام طويل، حاصله أن نحو ضاربك وضارباك وضاربوك ذهب سيبويه إلى أن الضمير فيه في محل جر بالإضافة ولذا حذف التنوين ونون التثنية والجمع، وذهب الأخفش وهشام إلى أن الضمير في محل نصب وحذفهما للتخفيف حتى وردتا ثابتين كما في الفاعلونه وأمسلمني فالنون عندهما في الأخير ونحوه تنوين حرك لالتقاء الساكنين وقد سمعت ما فيه، وحديث الحمل على الفعل على العلات أحسن ما قيل في التوجيه.

هذا وطلع واطلع بالتشديد وأطلع بالتخفيف بمعنى واحد والكل لازم ويجىء الاطلاع متعدياً يقال أطلعه على كذا فاطلع، و { مُّطَّلِعُونَ } في قراءة أبـي عمرو بمعنى مطلعون بالتشديد ونائب فاعل أطلع ضمير القائل والفاعل هم المخاطبون واطلاعهم إياه باعتبار التسبب كأنه لما أراد الاطلاع وأحب أن لا يستبد به أدباً عرض عليهم أن يطلعوا فرغبوا وأطلعوا فكان ذلك وسيلة إلى اطلاعه فكأنهم هم الذين أطلعوه ففاء { فاطلع } فصيحة والعطف على مقدر، والمعنى على القراءة التي بعدها هل أنتم مطلعون حتى أطلع أنا أيضاً فاطلعوا وأطلع هو بعد ذلك فرآه في سواء الجحيم ولا بد من تقدير اطلع بعد ذلك ليصلح ترتب { فرآه } على ما قبله و { هل أنتم مطلعون } عليه بمعنى الأمر تأدباً ومبالغة وعلى القراءة الثانية وهي قراءة التخفيف في الكلمتين والثانية فعل ماض المعنى كما في قراءة الجمهور، وكذا على القراءة التي بعدها، وعلى قراءة أبـي البرهسم ومن معه هل أنتم مطلعي فاطلعوه فرآه الخ، واطلاعهم إياه إذا كان الخطاب للجلساء بطريق التسبب كأنه طلب أن يطلعوا ليوافقهم فيطلع وهو إذا كان الخطاب للملائكة عليهم السلام على ما يتبادر إلى الذهن، وعن صاحب "اللوامح" أن طلع واطلع اطلاعاً بمعنى أقبل وجاء والقائم مقام الفاعل على قراءة أطلع مبنياً للمفعول ضمير المصدر أو جار ومجرور محذوفان أي أطلع به لأن أطلع لازم كأقبل وقد علمت أن أطلع يجىء متعدياً كأطلعت زيداً. ورد أبو حيان الاحتمال الثاني بأن نائب الفاعل لا يجوز حذفه كالفاعل فتأمل جميع ما ذكرنا ولا تغفل.