التفاسير

< >
عرض

إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ
١٤

روح المعاني

وقوله تعالى: { إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ } استئناف جيءَ به تقريراً لتكذيبهم على أبلغ وجه وتمهيداً لما يعقبه، فإنْ نافية ولا عمل لها لانتقاض النفي بإلا، و { كُلٌّ } مبتدأ والاستثناء مفرغ من أعم العام وهو الخبر أي ما كل حزب من الأحزاب محكوماً عليه بحكم إلا محكوماً عليه بأنه كذب الرسل أو مخبراً عنه بخبر إلا مخبراً عنه بأنه كذب الرسل لأن الرسل يصدق كل منهم الكل وكلهم متفقون على الحق فتكذيب كل واحد منهم تكذيب لهم جميعاً، وجوز أن يكون من مقابلة الجمع بالجمع أي ما كلهم محكوماً عليه بحكم أو مخبراً عنه بشيء إلاَّ محكوماً عليه أو إلاَّ مخبراً عنه بأنه كذب رسوله، والحصر مبالغة كأن سائر أوصافهم بالنظر إلى ما أثبت لهم بمنزلة العدم فيدل على أنهم غالون في التكذيب، ويدل على غلوهم فيه أيضاً إعادته متعلقاً بالرسل وتنويع الجملتين إلى اسمية استثنائية وغيرها أعني قوله تعالى: { { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } [ص: 12] الخ، وجعل كل فرقة مكذبة للجميع على الوجه الأول، ويسجل ذلك عليهم استحقاقهم أشد العقاب ولذا رتب عليه قوله تعالى: { فَحَقَّ عِقَابِ } أي ثبت ووقع على كل منهم عقابـي الذي كانت توجبه جناياتهم من أصناف العقوبات فأغرق قوم نوح وأهلك فرعون بالغرق وقوم هود بالريح وثمود بالصيحة وقوم لوط بالخسف وأصحاب الأيكة بعذاب الظلة. وجوز أن يكون { { أُوْلَـئِكَ ٱلأَحْزَابُ } [ص: 13] بدلاً من الطوائف المذكورة والجملة بعد مستأنفة لما سمعت وأن يكون مبتدأ والجملة بعده خبر بحذف العائد أي إن كل منهم أو كلهم إلا كذب الرسل، والمجموع استئناف مقرر لما قبله مع ما فيه من بيان كيفية تكذيبهم وكلاهما خلاف الظاهر، وأما ما قيل من أنه خبر والمبتدأ قوله تعالى: { وَعَادٌ } [ص:12] الخ أو قوله تعالى: { وَقَوْمُ لُوطٍ } [ص: 13] الخ فمما يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله.