التفاسير

< >
عرض

فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ
٣٦

روح المعاني

{ فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرّيحَ } إلى آخره تفريع على طلبه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، ولو كان الاستغفار مقصوداً أيضاً لقيل فغفرنا له وسخرنا له الريح الخ. وأجيب بأنه يجوز أن يقال: إن المغفرة لمن استغفر لا سيما الأنبياء عليهم السلام لما كانت أمراً معلوماً بخلاف هبة ملك لمن استوهب لم يصرح بها واكتفى بدلالة ما ذكر في حيز الفاء مع ما في الآية بعد على ذلك، وتقوى هذه الدلالة على تقدير أن يكون طلب الملك علامة على قبول استغفاره وإجابة دعائه فتأمل. والتسخير التذليل أي فذللناها لطاعته إجابة لدعوته، وقيل أدمنا تذليلها كما كان.

وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وأبو جعفر { ٱلرّيَاحِ } بالجمع قيل: وهو أوفق لما شاع من أن الريح تستعمل في الشر والرياح في الخير، وقد علمت أن ذلك ليس بمطرد.

وقوله تعالى: { تَجْرِى بِأَمْرِهِ } بيان لتسخيرها له عليه السلام أو حال أي جارية بأمره { رُخَاءً } أي لينة من الرخاوة لا تحرك لشدتها. واستشكل هذا بأنه ينافي قوله تعالى: { { وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرّيحَ عَاصِفَةً } [الأنبياء: 81] لوصفها ثمت بالشدة وهنا باللين. وأجيب بأنها كانت في أصل الخلقة شديدة لكنها صارت لسليمان لينة سهلة أو أنها تشتد عند الحمل وتلين/ عند السير فوصفت باعتبار حالين أو أنها شديدة في نفسها فإذا أراد سليمان عليه السلام لينها لانت على ما يشير إليه قوله تعالى: { بِأَمْرِهِ } أو أنها تلين وتعصف باقتضاء الحال، وقال ابن عباس والحسن والضحاك: رخاء مطيعة لا تخالف إرادته كالمأمور المنقاد، فالمراد بلينها انقيادها له وهو لا ينافي عصفها، واللين يكون بمعنى الإطاعة وكذا الصلابة تكون بمعنى العصيان.

{ حَيْثُ أَصَابَ } أي قصد وأراد كما روي عن ابن عباس والضحاك وقتادة، وحكى الزجاج عن العرب أصاب الصواب فأخطأ الجواب، وعن رؤبة أن رجلين من أهل اللغة قصداه ليسألاه عن هذه الكلمة فخرج إليهما فقال: أن تصيبان؟ فقالا: هذه طلبتنا ورجعا، ويقال أصاب الله تعالى بك خيراً، وأنشد الثعلبـي:

أصاب الكلام فلم يستطع فأخطأ الجواب لدى المفصل

وعن قتادة أن أصاب بمعنى أراد لغة هجر وقيل لغة حمير، وجوز أن يكون أصاب من صاب يصوب بمعنى نزل، والهمزة للتعدية أي حيث أنزل جنوده، و (حيث) متعلقة بسخرنا أو بتجري.