التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ
٤٩

روح المعاني

{ هَـٰذَا } إشارة إلى ما تقدم من الآيات الناطقة بمحاسنهم { ذكْرٌ } أي شرف لهم وشاع الذكر بهذا المعنى لأن الشرف يلزمه الشهرة والذكر بين الناس فتجوز به عنه بعلاقة اللزوم، والمراد في ذكر قصصهم وتنويه الله تعالى بهم شرف عظيم لهم أو المعنى هذا المذكور من الآيات نوع من الذكر الذي هو القرآن، وذكر ذلك للانتقال من نوع من الكلام إلى آخر كما يقول الجاحظ في كتبه: فهذا باب ثم شرع في باب آخر ويقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر: هذا وكان كيت وكيت، ويحذف على ما قيل الخبر في مثل ذلك كثيراً وعليه { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّـٰغِينَ لَشَرَّ مَـئَابٍ } [ص: 55] وستسمع إن شاء الله تعالى الكلام فيه فلا يقال: إنه لا فائدة فيه لأنه معلوم أنه من القرآن. وقال ابن عباس: هذا ذكر من مضى من الأنبياء عليهم السلام.

وقوله تعالى: { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } أي مرجع شروع في بيان أجرهم الجزيل في الآجل بعد بيان ذكرهم الجميل في العاجل. والمراد بالمتقين إما الجنس وهم داخلون فيه دخولاً أولياً وإما نفس المذكورين عبر عنهم بذلك مدحاً لهم بالتقوى التي هي الغاية القصوى في الكمال. والجملة فيما أرى عطف على الجملة قبلها كأنه قيل: هذا شرف لهم في الدنيا وإن لهم ولأضرابهم أو إن لهم في الآخرة لحسن مآب أو هي من قبيل عطف القصة على القصة، وقال الشهاب الخفاجي عليه الرحمة: هي حالية ولم يبين صاحب الحال، ويبعد أن يكون ذكراً لأنه نكرة متقدمة وأن يكون { هَـٰذَا } لأنه مبتدأ ومع ذلك في المعنى على تقدير الحالية خفاء، وقال بعض أجلة المعاصرين. إنه أراد أن الكلام على معنى والحال كذا أي الأمر والشأن كذا ولم يرد أن الجملة حال بالمعنى المعروف الذي يقتضي ذا حال وعاملا في الحال إلى غير ذلك وادعى أن الأمر كذلك في كل جملة يقال إنها حال وليس فيها ضمير يعود على ما قبلها نحو جاء زيد والشمس طالعة وقال: إنه الذي ينبغي أن يعول عليه وإن لم يذكره النحويون اهـ، والحال لا يخفى على ذي تمييز. وإضافة { حُسْنَ } إلى { مَآبٍ } من إضافة الصفة إلى الموصوف إما بتأويل مآب ذي حسن أو حسن وأما بدونه قصداً للمبالغة.