التفاسير

< >
عرض

أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
٥

روح المعاني

{ أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً } بأن نفى الألوهية عنها وقصرها على واحد فالجعل بمعنى التصيير وليس تصييراً في الخارج بل في القول والتسمية كما في قوله تعالى: { { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } [الزخرف: 19] وليس ذلك من باب إنكار وحدة الوجود في شيء ليقال إن الله سبحانه نعى على الكفرة ذلك الإنكار فتثبت الوحدة فإنه عليه الصلاة والسلام ما قال باتحاد آلهتهم معه عز وجل في الوجود.

{ إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عُجَابٌ } أي بليغ في العجب فإن فعالاً بناء مبالغة كرجل طوال وسراع، ووجه تعجبهم أنه خلاف ما ألفوا عليه آباءهم الذين أجمعوا على تعدد الآلهة وواظبوا على عبادتها وقد كان مدارهم في كل ما يأتون ويذرون التقليد فيعدون خلاف ما اعتادوه عجيباً بل محالاً، وقيل مدار تعجبهم زعمهم عدم وفاء علم الواحد وقُدَره بالأشياء الكثيرة وهو لا يتم إلا إن ادعوا لآلهتهم علماً وقدرة، والظاهر أنهم لم يدعوهما لها { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [لقمان: 25]

. وقرأ عليٌّ كرم الله تعالى وجهه والسلمي وعيسى وابن مقسم { عجاب } بشد الجيم وهو أبلغ من المخفف، وقال مقاتل { عجاب } لغة أزد شنوءة، أخرج أحمد وابن أبـي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبـي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبـي طالب قدر مجلس فخشي أبو جهل إن جلس إلى أبـي طالب أن يكون أرق عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب: أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول قال وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها يدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ففرحوا لكلمته ولقوله فقال القوم: ما هي؟ وأبيك لنعطينكها وعشراً قال: لا إله إلا الله فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } وفي رواية أنهم قالوا: سلنا غير هذا فقال عليه الصلاة والسلام: "لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها فغضبوا وقاموا غضاباً وقالوا والله لنشتمنك وإلهك الذي يأمرك بهذا"

.