التفاسير

< >
عرض

لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ
٢٠
-الزمر

روح المعاني

{ لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ } استدراك بين ما يشبه النقيضين والضدين وهما المؤمنون والكافرون وأحوالهما. والمراد بالذين اتقوا الموصوفون بما عدد من الصفات الفاضلة. والغرف جمع غرفة وهي العلية أي لهم علالي كثيرة جليلة بعضها فوق بعض { مَّبْنِيَّةٌ } قيل: هو كالتمهيد لقوله تعالى: { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا } أي من تحت تلك الغرف الفوقانيات والتحتانيات { ٱلأَنْهَـٰرَ } أي مبنية بناءاً يتأتى معه جري الأنهار من تحتها وذلك على خلاف علالي الدنيا فيفيد الوصف بذلك أنها سويت تسوية البناء على الأرض وجعلت سطحاً واحداً يتأتى معه جري الأنهار عليه على أن مياه الجنة لما كانت منحدرة من بطنان العرش على ما في الحديث فهي أعلى من الغرف فلا عجب من جري الماء عليها فوقاً وتحتاً لكن لا بد من وضع يتأتى معه الجري فالوصف المذكور لإفادة ذلك.

وقال بعض الأجلة: الظاهر أن هذا الوصف تحقيق للحقيقة وبيان أن الغرف ليست كالظلل حيث أريد بها المعنى المجازي على الاستعارة التهكمية. وقال بعض فضلاء إخواننا المعاصرين: فائدة التوصيف بما ذكر الإشارة إلى رفعة شأن الغرف حيث آذن أن الله تعالى بانيها وماذا عسى يقال في بناء بناه الله جل وعلا؟ وأقول والله تعالى أعلم: وصفت الغرف بذلك للإشارة إلى أنها مهيأة معدة لهم قد فرغ من أمرها كما هو ظاهر الوصف لا أنها تبنى يوم القيامة لهم، وفي ذلك من تعظيم شأن المتقين ما فيه. وفي الآية على هذا رد على المعتزلة وكأن / الزمخشري لذلك لم يحم حول هذا الوجه واقتصر على ما حكيناه أولاً مع أن ما قلناه أقرب منه فليحفظ.

{ وَعَدَ ٱللَّهُ } مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله فإنه وعد أي وعد { لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ } لما في خلفه من النقص المستحيل عليه عز وجل.