التفاسير

< >
عرض

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ
٣٢
-الزمر

روح المعاني

{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ } بأن أضاف إليه سبحانه وتعالى الشرك أو الولد { وَكَذَّبَ بِٱلصّدْقِ } أي بالأمر الذي هو عين الحق ونفس الصدق وهو ما جاء به النبـي صلى الله عليه وسلم { إِذْ جَاءَهُ } أي في أول مجيئه من غير تدبر فيه ولا تأمل ـ فإذ ـ فجائية كما صرح به الزمخشري لكن اشترط فيها في «المغني» أن تقع بعد بينا أو بينما ونقله عن سيبويه فلعله أغلبـي، وقد يقال: هذا المعنى يقتضيه السياق من غير توقف على كون (إذ) فجائية، ثم المراد أن هذا الكاذب والمكذب أظلم من كل ظالم.

{ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لّلْكَـٰفِرِينَ } أي لهؤلاء الذين افتروا على الله سبحانه وتعالى وسارعوا إلى التكذيب بالصدق. ووضع الظاهر موضع الضمير للتسيجل عليهم بالكفر. والجمع باعتبار معنى { مِنْ } كما أن الإفراد في الضمائر السابقة باعتبار لفظها أو لجنس الكفرة فيشمل أهل الكتاب ويدخل هؤلاء في الحكم دخولاً أولياً. وأياً ما كان فالمعنى على كفاية جهنم مجازاة لهم كأنه قيل: أليست جهنم كافية للكافرين مثوى كقوله تعالى: { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا } [المجادلة: 8] أي هي تكفي عقوبة لكفرهم وتكذيبهم، والكفاية مفهومة من السياق كما تقول لمن سألك شيئاً: ألم أنعم عليك تريد كفاك سابق إنعامي عليك.

واستدل بالآية على تكفير أهل البدع لأنهم مكذبون بما علم صدقه. وتعقب بأن { مَن كَذَّبَ } مخصوص بمن كذب الأنبياء شفاهاً في وقت تبليغهم لا مطلقاً لقوله تعالى: { إِذْ جَاءهُ } ولو سلم إطلاقه فهم لكونهم يتأولون ليسوا مكذبين وما نفوه وكذبوه ليس معلوماً صدقه بالضرورة إذ لو علم من الدين ضرورة كان جاحده كافراً كمنكر فرضية الصلاة ونحوها. وقال الخفاجي: الأظهر أن المراد تكذيب الأنبياء عليهم السلام بعد ظهور المعجزات في أن ما جاؤوا به من عند الله تعالى لا مطلق التكذيب، وكأني بك تختار أن المتأول غير مكذب لكن لا عذر في تأويل ينفي ما علم من الدين ضرورة.