التفاسير

< >
عرض

لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ
٣٥
-الزمر

روح المعاني

وقوله تعالى: { لِيُكَـفّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ } الخ متعلق بمحذوف أي ليكفر الله عنهم ويجزيهم، خصهم سبحانه بما خص أو بما قبله باعتبار فحواه على ما قيل أي وعدهم الله جميع ما يشاؤونه من زوال المضار وحصول المسار ليكفر عنهم بموجب ذلك الوعد أسوأ الذي عملوا الخ، وليس ببعيد معنى عن الأول، وجوز أن يكون متعلقاً بقوله سبحانه: { { وَذٰلِكَ جَزَاء ٱلْمُحْسِنِينَ } [الزمر: 34] أي بما يدل عليه من الثبوت أو بالمحسنين كما قال أبو حيان فكأنه قيل: وذلك جزاء الذين أحسنوا أعمالهم ليكفر الله تعالى عنهم أسوأ الذي عملوه.

{ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ } ويعطيهم ثوابهم { بِأَحْسَنِ ٱلَّذِى كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } وتقديم التكفير على إعطاء الثواب لأن درء المضار أهم من جلب المسار.

وأقيم الاسم الجليل مقام الضمير الراجع إلى { رَّبُّهُمْ } [الزمر: 34] لإبراز كمال الاعتناء بمضمون الكلام. وإضافة أسوأ وأحسن إلى ما بعدهما من إضافة أفعل التفضيل إلى غير المفضل عليه للبيان والتوضيح كما في الأشج أعدل بني مروان ويوسف أحسن إخوته، والتفضيل على ما قال الزمخشري للدلالة على أن الزلة المكفرة عندهم هي الأسوأ لاستعظامهم المعصية مطلقاً لشدة خوفهم، والحسن الذي يعملونه عند الله تعالى هو الأحسن لحسن إخلاصهم فيه. وذلك على ما قرر في «الكشف» لأن التفضيل هنا من باب الزيادة المطلقة من غير نظر إلى مفضل عليه نظراً إلى وصوله إلى أقصى الغاية الكمالية، ثم لما كانوا متقين كاملي التقى لم يكن في عملهم أسوأ إلا فرضاً وتقديراً.

وقوله سبحانه: { بِأَحْسَنِ ٱلَّذِى كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } دون أحسن الذي كانوا يعملون يدل على أن حسنهم عند الله تعالى من الأحسن لدلالته على أن جميع أجرهم يجري على ذلك الوجه فلو لم يعملوا إلا الأحسن كان التفضيل بحسب الأمر نفسه ولو كان في العمل الأحسن والحسن وكان الجزاء بالأحسن بأن ينظر إلى أحسن الأعمال فيجري الباقي في الجزاء على قياسه دل أن الحسن عند المجازي كالأحسن، فصح على التقديرين أن حسنهم عند الله تعالى هو الأحسن، ويعلم من هذا أن لا اعتزال فيما ذكره الزمخشري كما توهمه أبو حيان. وأما قوله في الاعتراض عليه: إنه قد استعمل { أسوأ } في التفضيل على معتقدهم و { أحسن } في التفضيل على ما هو عند الله عز وجل وذلك توزيع في أفعل التفضيل وهو خلاف الظاهر، فقد يسلم إذا لم يكن في الكلام ما يؤذن بالمغايرة فحيث كان فيه هٰهنا ذلك على ما قرر لا يسلم أن التوزيع خلاف الظاهر.

وقيل: إن { أَسْوَأَ } على ما هو الشائع في أفعل التفضيل، وليس المراد أن لهم عملاً سيئاً وعملاً أسوأ والمكفر هو الأسوأ فإنهم المتقون الذين وإن كانت لهم سيئات لا تكون سيئاتهم من الكبائر العظيمة، ولا يناسب التعرض لها في مقام مدحهم بل الكلام كناية عن تكفير جميع سيئاتهم بطريق برهاني، فإن الأسوأ إذا كفر كان غيره أولى بالتكفير لا أن ذلك صدر منهم، ولا نسلم / وجوب تحقق المعنى الحقيقي في الكناية وهو كما ترى. وقال غير واحد: أفعل على ما هو الشائع والأسوأ الكفر السابق على التقوى والإحسان، والمراد تكفير جميع ما سلف منهم قبل الإيمان من المعاصي بطريق برهاني. وعلى هذا لا يتسنى تفسير { { وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر: 33] بعلي كرم الله تعالى وجهه إذ لم يسبق له كفر أصلي ولا يكاد يعبر عن الكفر التبعي بأسوأ العمل.

وقيل: أفعل ليس للتفضيل أصلاً فأسوأ بمعنى السيء صغيراً كان أو كبيراً كما هو وجه أيضاً في الأشج أعدل بني مروان، وأيد بقراءة ابن مقسم وحامد بن يحيـى عن ابن كثير رواية عن البزي عنه { أسواء } بوزن أفعال جمع سوء، وأحسن عند أكثر أهل هذه الأقوال على بابه على معنى أنه تعالى ينظر إلى أحسن طاعاتهم فيجري سبحانه الباقي في الجزاء على قياسه لطفاً وكرماً، وزعم الطبرسي أن الأحسن الواجب والمندوب والحسن المباح والجزاء إنما هو على الأولين دون المباح، وقيل: المراد يجزيهم بأحسن من عملهم وهو الجنة، وفيه ما فيه. والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل في صلة الموصول الثاني دون الأول للإيذان باستمرارهم على الأعمال الصالحة بخلاف السيئة.