التفاسير

< >
عرض

كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٣
-فصلت

روح المعاني

{ كِتَـٰبٌ } وحكي ذلك عن الزجاج والحوفي، وهو على الأوجه الأول بدل منه أو خبر آخر أو خبر لمحذوف، وجملة { فُصّلَتْ ءايَـٰتُهُ } على جميع الأوجه في موضع الصفة لكتاب، وإضافة التنزيل إلى / { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } من بين أسمائه تعالى للإيذان بأنه مدار للمصالح الدينية والدنيوية واقع بمقتضى الرحمة الربانية حسبما ينبـىء عنه قوله تعالى: { { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } [الأنبياء: 107] وتفصيل آياته تمييزها لفظاً بفواصلها ومقاطعها ومبادىء السور وخواتمها، ومعنى بكونها وعداً ووعيداً وقصصاً وأحكاماً إلى غير ذلك بل من أنصف علم أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم والمباحث المتباينة عبارة وإشارة مثل ما في القرآن. وعن السدي { فُصّلَتْ ءايَـٰتُهُ } أي بينت ففصل بين حرامه وحلاله وزجره وأمره ووعده ووعيده، وقال الحسن: فصلت بالوعد والوعيد، وقال سفيان: بالثواب والعقاب، وما ذكرنا أولاً أعم ولعل ماذكروه من باب التمثيل لا الحصر، وقيل: المراد فصلت آياته في التنزيل أي لم تنزل جملة واحدة وليس بذاك.

وقرىء { فصلت } بفتح الفاء والصاد مخففة أي فرقت بين الحق والباطل، وقال ابن زيد: بين النبـي صلى الله عليه وسلم ومن خالفه على أن فصل متعد أو فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني على أن فصل لازم بمعنى انفصل كما في قوله تعالى: { فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ } [يوسف: 94]. وقرىء { فصلت } بضم الفاء وكسر الصاد مخففة على أنه مبني للمفعول والمعنى على ما مر.

{ قُرْءاناً عَرَبِيّاً } نصب على المدح بتقدير أعني أو أمدح أو نحوه أو على الحال فقيل: من { كِتَابٌ } لتخصصه بالصفة، وقيل: من { ءايَـٰتُهُ } وجوز في هذه الحال أن تكون مؤكدة لنفسها وأن تكون موطئة للحال بعدها، وقيل: نصب على المصدر أي يقرؤه قرآناً، وقال الأخفش: هو مفعول ثان لفصلت، وهو كما ترى إن لم تكن أخفش، وأياً ما كان ففي { قُرْءاناً عَرَبِيّاً } امتنان بسهولة قراءته وفهمه لنزوله بلسان من نزل بين أظهرهم.

{ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي معانيه لكونه على لسانهم على أن المفعول محذوف أو لأهل العلم والنظر على أن الفعل منزل منزلة اللازم ولام { لِقَوْمٍ } تعليلية أو اختصاصية وخصهم بذلك لأنهم هم المنتفعون به والجار والمجرور إما في موضع صفة أخرى ـ لقرآناً ـ أو صلة ـ لتنزيل ـ أو ـ لفصلت ـ قال الزمخشري: ولا يجوز أن يكون صفة مثل ما قبله وما بعده أي قرآناً عربياً كائناً لقوم عرب لئلا يفرق بين الصلات والصفات، ولعله أراد لئلا يلزم التفريق بين الصفة وهي قوله تعالى: { بَشِيراً وَنَذِيراً }.